فهذا استيفاء الكلام في أحد الوجهين اللذين يحتملهما قوله عز اسمه: {جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} بعد ما أجازه أبو الحسن فيها، مما قدمت ذكره.
والوجه الآخر: أن تكون الباء في بمثلها متعلقة بنفس الجزاء، ويكون الجزاء مرتفعا بالابتداء، وخبره محذوف، كأنه قال: جزاء سيئة بمثلها كائن، أو واقع وإذا كان هذا جائزا، وكان حذف الخبر فيه حسنا متجها، كما حذف في عدة مواضع غيره، مما يطول القول بذكره، كان تهيامي من بيت كثير أيضا مرتفعا بالابتداء، والباء متعلقة فيه بنفس المصدر، الذي هو التهيام، والخبر أيضا محذوف، كأنه قال: وتهيامي بعزة كائن، أو واقع، على ما يقدر في هذا ونحوه، فهذا ما تحتمله الآية من غير ما ذهب إليه أبو الحسن، أعني قوله تعالى: {جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} .
وأما زيادتها في الفاعل فنحو قولهم: كفى بالله، وقوله عز اسمه: {وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} 1 الأنبياء: 47 ، إنما هو كفى الله، وكفينا.
كقول سحيم2:
كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا3
فالباء وما عملت فيه في موضع مرفوع بفعله، كقولك: ما قام من أحد، فالجار والمجرور في موضع مرفوع بفعله، ونحوه قولهم في التعجب: أحسن بزيد، وأجمل ببكر، فالباء وما بعدها في موضع مرفوع بفعله، ولا ضمير في الفعل، وهذا مشروح في باب التعجب.