فالجواب عن هذا أيضًا كالجواب عما قبله، لأن اللغات كلها لا تحمل على لغة بلحارث عن قلتها وشذوذها.
ومنها أيضًا قولهم: قام الزيدون، فلحاق النون هنا ولا ألف قبلها يفسد أن تكون دخلت فرقًا بين رفع الاثنين ونصب الواحد.
فإن قال: أنها في الجمع أيضًا إنما دخلت فرقًا بين رفع الجمع ورفع الواحد في لغة من قال1: هذا زيدو، ومررت بزيدى، كما يقول الجميع في الوقف على المنصوب المنون: رأيت زيدا.
عاد الكلام إلى ما كنا قدمناه من ضعف حمل الشيء على غيره مع وجود العلة القائمة فيه. ومنه أنه إن جاز للفراء أن يذهب إلى أن نون التثنية إنما لحقت فرقا بين رفع الاثنين ونصب الواحد، وأن يحتج في دخولها مع اللام في نحو قولك: الرجلان والغلامان، بأن من العرب من يقول: رأيت الرجلا والغلاما، جاز لآخر أن يفسد عليه دخولها في ما لا لام فيه ولا هو مضاف نحو: عندي رجلان وغلامان، بأن يقول: هذا فاسد من قول الفراء، لأن من العرب من يقف على المنصوب المنون بلا ألف، فيقول: ضربت زيدْ، وكلمت محمدْ، كما يقف على المرفوع بلا واو، وعلى المجرور بلا ياء، فيقول: هذا جعفرْ، ومررت بجعفرْ، وحدثنا أبو علي أن أبا عبيدة حكى عنهم2: ضربت فَرَجْ.
وأنشد للأعشى3:
إلى المرء قيسٍ أطيل السُّرَى
... وآخُذ من كل حيٍّ عُصُمْ4
ولم يقل عُصُما