إِنْكَارِهِمْ بِعْثَةَ الرُّسُلِ مِنَ الْبَشَرِ وَقَالَ: وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ الْكَهْفِ: 55 وَقَالَ: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ الْبَقَرَةِ: 28 وَقَالَ: فَأَنَّى تُصْرَفُونَ وقال:
فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ فَلَوْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَضَلَّهُمْ عَنِ الدِّينِ وَصَرَفَهُمْ عَنِ الْإِيمَانِ لَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ بَاطِلَةً.
وَخَامِسُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى ذَمَّ إِبْلِيسَ وَحِزْبَهُ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُ فِي إِضْلَالِ النَّاسِ عَنِ الدِّينِ وَصَرْفِهِمْ عَنِ الْحَقِّ وَأَمَرَ عِبَادَهُ وَرَسُولَهُ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ إلى قوله: مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ المؤمنين: 97 ، فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ النحل: 98 فَلَوْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى يُضِلُّ عِبَادَهُ عَنِ الدِّينِ كَمَا تُضِلُّ الشَّيَاطِينُ لَاسْتَحَقَّ مِنَ الْمَذَمَّةِ مِثْلَ مَا اسْتَحَقُّوهُ وَلَوَجَبَ الِاسْتِعَاذَةُ مِنْهُ كَمَا وَجَبَ مِنْهُمْ، وَلَوَجَبَ أَنْ يَتَّخِذُوهُ عَدُوًّا مِنْ حَيْثُ أَضَلَّ أَكْثَرَ خَلْقِهِ كَمَا وَجَبَ اتِّخَاذُ إِبْلِيسَ عَدُوًّا لِأَجْلِ ذَلِكَ، قَالُوا بَلْ خِصِّيصِيَّةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ إِذْ تَضْلِيلُ إِبْلِيسَ سَوَاءٌ وَجُودُهُ وَعَدَمُهُ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى حُصُولِ الضَّلَالِ بِخِلَافِ تَضْلِيلِ اللَّهِ فَإِنَّهُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الضَّلَالِ فَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا تَنْزِيهُ إِبْلِيسَ عَنْ جَمِيعِ الْقَبَائِحِ وَإِحَالَتُهَا كُلِّهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ الذَّمُّ مُنْقَطِعًا بِالْكُلِّيَّةِ عَنْ إِبْلِيسَ وَعَائِدًا إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ قَوْلِ الظَّالِمِينَ. وَسَادِسُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى أَضَافَ الْإِضْلَالَ عَنِ الدِّينِ إِلَى غَيْرِهِ وَذَمَّهُمْ لِأَجْلِ ذَلِكَ، فَقَالَ: وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى طَهَ: 79 ، وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ طَهَ: 85 ، وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ الْأَنْعَامِ: 116 ، إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ ص: 26 وَقَوْلُهُ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ إِبْلِيسَ: وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ النِّسَاءِ: 119 فَهَؤُلَاءِ إِمَّا أَنْ يَكُونُوا قَدْ أَضَلُّوا غَيْرَهُمْ عَنِ الدِّينِ فِي الْحَقِيقَةِ أَوْ يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَضَلَّهُمْ أَوْ حَصَلَ الْإِضْلَالُ بِاللَّهِ وَبِهِمْ عَلَى سَبِيلِ الشَّرِكَةِ فَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَضَلَّهُمْ عَنِ الدِّينِ دُونَ هَؤُلَاءِ فَهُوَ سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى قَدْ تَقَوَّلَ عَلَيْهِمْ إِذْ قَدْ رَمَاهُمْ بِدَأْبِهِ وَعَابَهُمْ بِمَا فِيهِ وَذَمَّهُمْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُوهُ، وَاللَّهُ متعالٍ عَنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى مُشَارِكًا لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَذُمَّهُمْ عَلَى فِعْلٍ هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ وَمُسَاوٍ لَهُمْ فِيهِ وَإِذَا فَسَدَ الْوَجْهَانِ صَحَّ أَنْ لَا يُضَافَ خَلْقُ الضَّلَالِ إِلَى اللَّهِ/ تَعَالَى. وَسَابِعُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ أَكْثَرَ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الضَّلَالِ مَنْسُوبًا إِلَى الْعُصَاةِ عَلَى مَا قال: وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ البقرة: 26 . وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ إِبْرَاهِيمَ: 27 ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ الْمَائِدَةِ: 67 ، كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ غافر: 34 ، كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ غَافِرٍ: 28 فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالضَّلَالِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ تَعَالَى هُوَ مَا هُمْ فِيهِ كَانَ كَذَلِكَ إِثْبَاتًا لِلثَّابِتِ وَهَذَا مُحَالٌ. وَثَامِنُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى نَفَى إِلَهِيَّةَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمْ لَا يَهْدُونَ إِلَى الْحَقِّ قَالَ: أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى يُونُسَ: 35 فَنَفَى رُبُوبِيَّةَ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا لَا تَهْدِي وَأَوْجَبَ رُبُوبِيَّةَ نَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَهْدِي فَلَوْ كَانَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُضِلُّ عَنِ الْحَقِّ لَكَانَ قَدْ سَاوَاهُمْ فِي الضَّلَالِ وَفِيمَا لِأَجْلِهِ نَهَى عَنِ اتِّبَاعِهِمْ، بَلْ كَانَ قَدْ أَرْبَى عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ الْأَوْثَانَ كَمَا أَنَّهَا لَا تَهْدِي فَهِيَ لَا تُضِلُّ، وَهُوَ سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى مَعَ أَنَّهُ إِلَهٌ يَهْدِي فَهُوَ يُضِلُّ. وَتَاسِعُهَا:
أَنَّهُ تَعَالَى يَذْكُرُ هَذَا الضَّلَالَ جَزَاءً لَهُمْ عَلَى سُوءِ صَنِيعِهِمْ وَعُقُوبَةً عَلَيْهِ، فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَا هُمْ عَلَيْهِ من الضلال كان ذلك عقوبة وتهديداً بأمرهم له ملابسون، وعليه مقبولون، وَبِهِ مُلْتَذُّونَ وَمُغْتَبِطُونَ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَتِ الْعُقُوبَةُ بِالزِّنَا عَلَى الزِّنَا وَبِشُرْبِ الْخَمْرِ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ. وَعَاشِرُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ البقرة: 26، 27 صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا يَفْعَلُ