مِنِّي فَقَالَ يَا مُوسَى أَمَا سَمِعْتَ قَوْلِي: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ فَاشْتَغِلْ بِالدُّعَاءِ حَتَّى أَصِيرَ قَرِيبًا مِنْكَ فَعِنْدَ ذَلِكَ: قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي. وَثَامِنُهَا: قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَقَالَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ الشَّرْحِ: 1 ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى مَا تَرَكَهُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ بَلْ قَالَ:
وَسِراجاً مُنِيراً الْأَحْزَابِ: 46 فَانْظُرْ إِلَى التَّفَاوُتِ فَإِنَّ شَرْحَ الصَّدْرِ هُوَ أَنْ يَصِيرَ الصَّدْرُ/ قَابِلًا لِلنُّورِ وَالسِّرَاجُ الْمُنِيرُ هُوَ أَنْ يُعْطِيَ النُّورَ فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالتَّفَاوُتِ بَيْنَ الْآخِذِ وَالْمُعْطِي ثُمَّ نَقُولُ إِلَهَنَا إِنَّ دِينَنَا وَهِيَ كَلِمَةُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه نُورٌ، وَالْوُضُوءُ نُورٌ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالْقَبْرُ نُورٌ، وَالْجَنَّةُ نُورٌ، فَبِحَقِّ أَنْوَارِكَ الَّتِي أَعْطَيْتَنَا فِي الدُّنْيَا لَا تَحْرِمْنَا أَنْوَارَ فَضْلِكَ وَإِحْسَانِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
الْفَصْلُ الرَّابِعُ: فِي قَوْلِهِ:
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي
سُئِلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَرْحِ الصَّدْرِ فَقَالَ: نُورٌ يُقْذَفُ فِي الْقَلْبِ، فَقِيلَ: وَمَا أَمَارَتُهُ فَقَالَ: التَّجَافِي عَنْ دَارِ الْغُرُورِ وَالْإِنَابَةُ إِلَى دَارِ الْخُلُودِ وَالِاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ النُّزُولِ،
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَرْحَ الصَّدْرِ عِبَارَةٌ عَنِ النُّورِ قَوْلَهُ تَعَالَى: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ الزُّمَرِ: 22 وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذَكَرَ عَشَرَةَ أَشْيَاءَ وَوَصَفَهَا بِالنُّورِ، أَحَدُهَا: وَصَفَ ذَاتَهُ بِالنُّورِ: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ النُّورِ: 35 . وَثَانِيهَا: الرَّسُولَ: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ الْمَائِدَةِ: 15 . وَثَالِثُهَا: الْقُرْآنِ:
وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ الْأَعْرَافِ: 157 . وَرَابِعُهَا: الْإِيمَانَ: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ التَّوْبَةِ: 32 . وَخَامِسُهَا: عَدْلَ اللَّه: وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها الزُّمَرِ: 69 . وَسَادِسُهَا: ضِيَاءَ الْقَمَرِ:
وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً نُوحٍ: 16 ، وَسَابِعُهَا: النَّهَارَ: وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ الْأَنْعَامِ: 1 . وَثَامِنُهَا:
الْبَيِّنَاتِ: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ الْمَائِدَةِ: 44 . وَتَاسِعُهَا: الْأَنْبِيَاءَ: نُورٌ عَلى نُورٍ النُّورِ: 35 . وَعَاشِرُهَا: الْمَعْرِفَةَ: مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ النُّورِ: 35 إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ كَأَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي بِمَعْرِفَةِ أَنْوَارِ جَلَالِكَ وَكِبْرِيَائِكَ. وَثَانِيهَا: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، بِالتَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِ رُسُلِكَ وَأَنْبِيَائِكَ. وَثَالِثُهَا: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، بِاتِّبَاعِ وَحْيِكَ وَامْتِثَالِ أَمْرِكَ وَنَهْيِكَ. وَرَابِعُهَا: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، بِنُورِ الإيمان والإيقان بإلهيتك. وخامسها: رب اشرح صَدْرِي بِالْإِطِّلَاعِ عَلَى أَسْرَارِ عَدْلِكَ فِي قَضَائِكَ وَحُكْمِكَ. وَسَادِسُهَا: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي بِالِانْتِقَالِ مِنْ نُورِ شَمْسِكَ وَقَمَرِكَ إِلَى أَنْوَارِ جَلَالِ عِزَّتِكَ كَمَا فَعَلَهُ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ انْتَقَلَ مِنَ الْكَوْكَبِ وَالْقَمَرِ وَالشَّمْسِ إِلَى حَضْرَةِ الْعِزَّةِ. وَسَابِعُهَا: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي مِنْ مُطَالَعَةِ نَهَارِكَ وَلَيْلِكَ إِلَى مُطَالَعَةِ نَهَارِ فَضْلِكَ وَلَيْلِ عَدْلِكَ. وَثَامِنُهَا:
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي بِالْإِطِّلَاعِ عَلَى مَجَامِعِ آيَاتِكَ وَمَعَاقِدِ بَيِّنَاتِكَ فِي أرضك وسمواتك. وَتَاسِعُهَا: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي فِي أَنْ أَكُونَ خَلْفَ صُوَرِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَمُتَشَبِّهًا بِهِمْ فِي الِانْقِيَادِ لِحُكْمِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَعَاشِرُهَا:
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي بِأَنْ تَجْعَلَ سِرَاجَ الْإِيمَانِ فِي قَلْبِي كَالْمِشْكَاةِ الَّتِي فِيهَا الْمِصْبَاحُ، وَاعْلَمْ أَنَّ شَرْحَ الصَّدْرِ عِبَارَةٌ عَنْ إِيقَادِ النُّورِ فِي الْقَلْبِ حَتَّى يَصِيرَ الْقَلْبُ كَالسِّرَاجِ وَذَلِكَ النُّورُ كَالنَّارِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَوْقِدَ سِرَاجًا احْتَاجَ إِلَى سَبْعَةِ أَشْيَاءَ: زَنْدٌ وَحَجَرٌ وَحِرَاقٌ وَكِبْرِيتٌ وَمِسْرَجَةٌ وَفَتِيلَةٌ وَدُهْنٌ. فَالْعَبْدُ إِذَا طَلَبَ النُّورَ الَّذِي هُوَ شَرْحُ الصَّدْرِ افْتَقَرَ إِلَى هَذِهِ السَّبْعَةِ. فَأَوَّلُهَا: لَا بُدَّ مِنْ زَنْدِ الْمُجَاهَدَةِ: وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا الْعَنْكَبُوتِ: 69 . وَثَانِيهَا: حَجَرُ التَّضَرُّعِ: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً الأعراف: 55 . وَثَالِثُهَا: حِرَاقُ مَنْعِ الْهَوَى: وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى النَّازِعَاتِ: 40 . وَرَابِعُهَا: كِبْرِيتُ الْإِنَابَةِ: وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ الزمر: 54 ملطخا رؤوس تِلْكَ/ الْخَشَبَاتِ بِكِبْرِيتِ تُوبُوا إِلَى اللَّه. وَخَامِسُهَا: مِسْرَجَةُ الصَّبْرِ: وَاسْتَعِينُوا