مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قالوا كنا ندرس العلم في مسجد قباء إذ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فقال تعلموا ما شئتم أن تعلموا فلن يأجركم الله حتى تعملوا (١) وقال عيسى عليه السلام مثل الذي يتعلم العلم ولا يعمل به كمثل امرأة زنت في السر فحملت فظهر حملها فافتضحت فكذلك من لا يعمل بعلمه يفضحه الله تعالى يوم القيامة على رءوس الأشهاد
وقال معاذ رحمه الله احذروا زلة العالم لأن قدره عند الخلق عظيم فيتبعونه على زلته
وقال عمر رضي الله عنه إذا زل العالم زل بزلته عالم من الخلق وقال عمر رضي الله عنه ثلاث بهن ينهدم الزمان إحداهن زلة العالم
وقال ابن مسعود سيأتي على الناس زمان تملح فيه عذوبة القلوب فلا ينتفع بالعلم يومئذ عالمه ولا متعلمه فتكون قلوب علمائهم مثل السباخ من ذوات الملح ينزل عليها قطر السماء فلا يوجد لها عذوبة وذلك إذا مالت قلوب العلماء إلى حب الدنيا وإيثارها على الآخرة فعند ذلك يسلبها الله تعالى ينابيع الحكمة ويطفىء مصابيح الهدى من قلوبهم فيخبرك عالمهم حين تلقاه أنه يخشى الله بلسانه والفجور ظاهر في عمله فما أخصب الألسن يومئذ وما أجدب القلوب فوالله الذي لا إله إلا هو ما ذلك إلا لأن المعلمين علموا لغير الله تعالى والمتعلمين تعلموا لغير الله تعالى
وفي التوراة والإنجيل مكتوب لا تطلبوا علم ما لم تعلموا حتى تعملوا بما علمتم
وقال حذيفة رضي الله عنه إنكم في زمان من ترك فيه عشر ما يعلم هلك وسيأتي زمان من عمل فيه بعشر ما يعلم نجا وذلك لكثرة البطالين
واعلم أن مثل العالم مثل القاضي وقد قال صلى الله عليه وسلم القضاة ثلاثة قاض قضى بالحق وهو يعلم فذلك في الجنة وقاض قضى بالجور وهو يعلم أو لا يعلم فهو في النار وقاض قضى بغير ما أمر الله به فهو في النار (٢) وقال كعب رحمه الله يكون في آخر الزمان علماء يزهدون الناس في الدنيا ولا يزهدون ويخوفون الناس ولا يخافون وينهون عن غشيان الولاة ويأتونهم ويؤثرون الدنيا على الآخرة يأكلون بألسنتهم يقربون الأغنياء دون الفقراء يتغايرون على العلم كما تتغاير النساء على الرجال يغضب أحدهم على جليسه إذا جالس غيره أولئك الجبارون أعداء الرحمن
وقال صلى الله عليه وسلم إن الشيطان ربما يسوفكم بالعلم فقيل يا رسول الله وكيف ذلك قال صلى الله عليه وسلم يقول اطلب العلم ولا تعمل حتى تعلم فلا يزال للعلم قائلاً وللعمل مسوفاً حتى يموت وما عمل (٣) وقال سرى السقطي اعتزل رجل للتعبد كان حريصاً على طلب علم الظاهر فسألته فقال رأيت في النوم قائلاً يقول لي إلى كم تضيع العلم ضيعك الله فقلت إني لأحفظه فقال حفظ العلم العمل به فتركت الطلب وأقبلت على العمل
وقال ابن مسعود رضي الله عنه ليس العلم بكثرة الرواية إنما العلم الخشية وقال الحسن تعلموا ما شئتم أن تعلموا فوالله لا يأجركم الله حتى تعملوا فإن السفهاء همتهم الرواية والعلماء همتهم الرعاية وقال مالك رحمه الله إن طلب العلم لحسن وإن نشره لحسن إذا صحت فيه النية ولكن انظر ما يلزمك من حين تصبح إلى حين تمسي فلا تؤثرن عليه شيئاً
وقال ابن مسعود رضي الله عنه أنزل القرآن ليعمل به فاتخذتم دراسته عملاً وسيأتي قوم يثقفونه مثل القناة ليسوا بخياركم والعالم الذي لا يعمل كالمريض الذي يصف الدواء وكالجائع الذي يصف لذائذ الأطعمة ولا يجدها
وفي مثله قوله تعالى ولكم الويل مما تصفون وفي الخبر إنما أخاف على أمتي زلة عالم
(١) حديث عبد الرحمن بن غنم عن عشرة من الصحابة تعلموا ما شئتم أن تعلموا فلن يأجركم الله حتى تعملوا علقه ابن عبد البر وأسنده ابن عدي وأبو نعيم والخطيب في كتاب اقتضاء العلم للعمل من حديث معاذ فقط بسند ضعيف ورواه الدارمي موقوفا على معاذ بسند صحيح
(٢) حديث القضاة ثلاثة الحديث أخرجه أصحاب السنن من حديث بريدة وهو صحيح
(٣) حديث إن الشيطان ربما يسوفكم بالعلم الحديث في الجامع من حديث أنس بسند ضعيف