أوتينا الإيمان قبل القرآن وستأتي بعدكم قوم يؤتون القرآن قبل الإيمان يقيمون حروفه ويضيعون حدوده وحقوقه يقولون قرأنا فمن أقرأ منا وعلمنا فمن أعلم منا فذلك حظهم (١)
وفي لفظ أولئك شرار هذه الأمة
وقيل خمس من الأخلاق هي من علامات علماء الآخرة مفهومة من خمس آيات من كتاب الله عز وجل الخشية والخشوع والتواضع وحسن الخلق وإيثار الآخرة على الدنيا وهو الزهد فأما الخشية فمن قوله تَعَالَى إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ وأما الخشوع فمن قوله تعالى خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً وأما التواضع فمن قوله تعالى واخفض جناحك للمؤمنين وأما حسن الخلق فمن قوله تَعَالَى فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وأما الزهد فمن قوله تعالى وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً ولما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام فقيل له ما هذا الشرح فقال إن النور إذا قذف في القلب انشرح له الصدر وانفسح قيل فهل لذلك من علامة قال صلى الله عليه وسلم نعم التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله (٢) ومنها أن يكون أكثر بحثه عن علم الأعمال وعما يفسدها ويشوش القلوب ويهيج الوسواس ويثير الشر فإن أصل الدين التوقي من الشر ولذلك قيل
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه ...
ومن لا يعرف الشر من الناس يقع فيه ...
ولأن الأعمال الفعلية قريبة وأقصاها بل أعلاها المواظبة على ذكر الله تعالى بالقلب واللسان وإنما الشأن في معرفة ما يفسدها ويشوشها وهذا مما تكثر شعبه ويطول تفريعه وكل ذلك مما يغلب مسيس الحاجة إليه وتعم به البلوى في سلوك طريق الآخرة وأما علماء الدنيا فإنهم يتبعون غرائب التفريعات في الحكومات والأقضية ويتعبون في وضع صور تنقضي الدهور ولا تقع أبداً وإن وقعت فإنما تقع لغيرهم لا لهم وإذا وقعت كان في القائمين بها كثرة ويتركون ما يلازمهم ويتكرر عليهم آناء الليل وأطراف النهار في خواطرهم ووساوسهم وأعمالهم وما أبعد عن السعادة من باع مهم نفسه اللازم يمهم غيره النادر إيثاراً للتقرب والقبول من الخلق على التقرب من الله سبحانه
وشرها في أن يسميه البطالون من أبناء الدنيا فاضلاً محققاً عالماً بالدقائق وجزاؤه من الله أن لا ينتفع في الدنيا بقبول الخلق بل يتكدر عليه صفوه بنوائب الزمان ثم يرد القيامة مفلساً متحسراً على ما يشاهده من ربح العاملين وفوز المقربين وذلك هو الخسران المبين ولقد كان الحسن البصري رحمه الله أشبه الناس كلاماً بكلام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأقربهم هدياً من الصحابة رضي الله عنهم اتفقت الكلمة في حقه على ذلك وكان أكثر كلامه في خواطر القلوب وفساد الأعمال ووساس النفوس والصفات الخفية الغامضة من شهوات النفس وقد قيل له يا أبا سعيد إنك تتكلم بكلام لا يسمع من غيرك فمن أين أخذته قال من حذيفة بن اليمان
وقيل لحذيفة نراك تتكلم بكلام لا يسمع من غيرك من الصحابة فمن أين أخذته قال خصني به رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الناس يسألونه عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه وعلمت أن الخير لا يسبقني علمه (٣) وقال مرة فعلمت أن من
(١) حديث كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتينا الإيمان قبل القرآن الحديث أخرجه ابن ماجه من حديث جندب مختصرا مع اختلاف
(٢) حديث لما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام} الحديث أخرجه الحاكم والبيهقي في الزهد من حديث ابن مسعود
(٣) حديث حذيفة كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر الحديث أخرجاه مختصرا