افتراق الناس فيما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر
قال رحمه الله: وإذا كانت تلك الحقائق التي أخبر الله عنها هي موافقة في الأسماء للحقائق الموجودة في الدنيا وليست مماثلة لها، بل بينهما من التباين ما لا يعلمه إلا الله تعالى، فالخالق سبحانه وتعالى أعظم مباينة للمخلوقات من مباينة المخلوق للمخلوق، ومباينته لمخلوقاته أعظم من مباينة موجود الآخرة لموجود الدنيا، إذ المخلوق أقرب إلى المخلوق الموافق له في الاسم من الخالق إلى المخلوق، وهذا بيّن واضح.
ولهذا افترق الناس في هذا المقام ثلاث فرق: فالسلف والأئمة وأتباعهم: آمنوا بما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر، مع علمهم بالمباينة التي بين ما في الدنيا وبين ما في الآخرة، وإن مباينة الله لخلقه أعظم.
والفريق الثاني: الذين أثبتوا ما أخبر الله به في الآخرة من الثواب والعقاب، ونفوا كثيراً مما أخبر به من الصفات، مثل: طوائف من أهل الكلام.
والفريق الثالث: نفوا هذا وهذا، كالقرامطة، والباطنية، والفلاسفة أتباع المشّائين، ونحوهم من الملاحدة الذين ينكرون حقائق ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر.
هذا التقسيم يشمل مواقف الناس من كل أمور الغيب، وأعظم وأجل أمور الغيب ما يتعلق بالله عز وجل وتعظيمه سبحانه بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، وهو أبعد الغيب عن مدارك الناس، أي: عن أن تدركه حواس الناس وعقولهم على وجه الكيفية، ومع ذلك كل الغيوب غائبة عن العقول، وغائبة عن الحواس، وغائبة عن المدارك.
إذاً: هذه المواقف الثلاثة التي ذكرها الشيخ هي مواقف الناس عموماً من الغيب كله، لكن نحن هنا نتكلم عن الجانب الأعظم من الغيب، وهو المتعلق بالله عز وجل.