الله عليه وسلم - أثناء عرض دعوته على القبائل بوفد من أهل
«يثرب» فى موسم الحج، وعرض عليهم الإسلام، فلم يرفضوا ولم
يسلموا، عدا واحدًا منهم هو «إياس بن معاذ» فقد أسلم، لكنهم حين
عادوا إلى قومهم تحدثوا بما سمعوا من النبى، فنبهوهم إلى أنه من
المعقول أن يكون «محمد» هو النبى الذى كانت اليهود تحدثهم عنه
دائمًا، وكان فى «يثرب» كثير من قبائل اليهود (بنو قينقاع وبنو
النضير وبنوقريظة)، الذين علموا من كتبهم المقدسة أن هناك نبيًا قد
قرب زمانه وهو آخر الأنبياء.
وهذه المعلومات التى عرفها أهل «يثرب» من «الأوس» و «الخزرج»
كانت مفيدة لهم وللإسلام، فقد ذهب وفد منهم فى الموسم التالى -
العام الثانى عشر من البعثة - والتقوا برسول الله - صلى الله عليه
وسلم - وهم على استعداد للاستجابة له والتجاوب معه، فحدَّثهم عن
الإسلام فآمنوا وبايعوه عند العقبة فى «مِنى» «البيعة الأولى»،
على أن يؤمنوا بالله وحده، ولا يشركوا به شيئًا، وألا يسرقوا، وألا
يزنوا، وألا يعصوا الله فى معروف. وأرسل النبى معهم عند عودتهم
إلى «يثرب» «مصعب بن عمير»، يعلمهم القرآن ويفقههم فى الدين.
وكان هذا اللقاء بداية النصر وفاتحة الخير، فإذا كانت «مكة» قد
تحجرت عقولها وصمت آذانها عن سماع صوت الحق، فإن «يثرب»
تفتح له قلوبها وعقولها وآذانها.
بيعة العقبة الثانية:
نجح «مصعب بن عمير» فيما كُلِّف به نجاحًا عظيمًا، فازداد عدد
المسلمين فى «يثرب» على يديه زيادة كبيرة، ولم يبق بيت فيها إلا
ولذكر الإسلام والنبى فيه نصيب، وعاد «مصعب» فى الموسم التالى
(العام الثالث عشر من البعثة)، ليزف إلى النبى - صلى الله عليه وسلم -
بشرى نجاحه، وإقبال أهل «يثرب» على الإسلام، وأن وفدًا كبيرًا
منهم سوف يأتى إلى «مكة» لمقابلته، فقدم ثلاثة وسبعون رجلا
وامرأتان لهذا الغرض، وتم اللقاء سرا عند العقبة فى «منى»، وسط
أيام التشريق (الثلاثة الأيام الأولى من عيد الأضحى)، وحضر اللقاء