الفصل الخامس المفاضلة بين الملائكة وبني البشر
الخلاف في المسألة قديم:
قال ابن كثير (١) : " قد اختلف الناس في تفصيل الملائكة على البشر على أقوال: فأكثر ما توجد هذه المسألة في كتب المتكلمين، والخلاف فيها مع المعتزلة ومن وافقهم.
وأقدم كلام رأيته في هذه المسألة ما ذكره الحافظ ابن عساكر في تاريخه في ترجمة أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص: " أنّه حضر مجلساً لعمر بن عبد العزيز وعنده جماعة، فقال عمر: ما أحد أكرم على الله من كريم بني آدم، واستدل بقوله تعالى: (إنَّ الَّذين آمنوا وعملوا الصَّالحات أولئك هم خير البريَّة) البينة: ٧ . ووافقه على ذلك أمية بن عمرو بن سعيد.
فقال عراك بن مالك: ما أحد أكرم على الله من ملائكته، هم خدمة دارَيْه، ورسله إلى أنبيائه، واستدل بقوله تعالى: (ما نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عن هذه الشَّجرة إلاَّ أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) الأعراف: ٢٠ .
فقال عمر بن عبد العزيز لمحمد بن كعب القرظي: ما تقول أنت يا أبا حمزة؟ فقال: قد أكرم الله آدم فخلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وجعل من ذريته الأنبياء، والرسل ومن يزوره الملائكة.
فوافق عمر بن عبد العزيز في الحكم واستدل بغير دليله ".
وهذا الذي ذكره ابن كثير من كلام عمر بن عبد العزيز وجلسائه في هذه المسألة يبين الخطأ ما قاله تاج الدين الفزاري، حيث يقول: " هذه المسألة من بدع علم الكلام، التي لم يتكلم فيها الصدر الأول من الأمة، ولا من بعدهم من أعلام الأئمة " (٢) ، بل قد ثبت أن بعض الصحابة تكلموا في شيء من ذلك،
(١) البداية والنهاية: ١/٥٨.
(٢) شرح العقيدة الطحاوية: ٣٣٩.