لو اقترنت الإشارة بالوصف , وكان الوصف مغايرا لما رآه المشتري ورضى به , فإنه ليس له المطالبة بعدئذ بالوصف , ما دام العقد قد تم بعد الرؤية والرضا , ويعبر عن ذلك بالقاعدة الفقهية التالية (الوصف في الحاضر وفي الغائب لغو معتبر) .
وهذا بخلاف التغاير بين اسم المبيع والإشارة إليه كقوله: بعتك هذه الفرس , وأشار إلى ناقة مثلا فالتسمية هي المعتبرة , لأن الاسم يحدد به جنس المبيع , فهذا غلط في الجنس لا في الوصف , والغلط في الجنس غير مغتفر لأنه يكون به المبيع معدوما.
وقد صرح القرافي بأنه إن لم يذكر الجنس في البيع , بأن قال: بعتك ثوبا امتنع إجماعا.
وهذا إذا كان الوصف مما يدركه المشتري , أما لو كان مما يخفى عليه , أو يحتاج إلى اختبار , كالوصف للبقرة بأنها حلوب , ثم تبين للمشترى أنها ليست كذلك , فإن فوات الوصف هنا مؤثر , إن كان قد اشترط في العقد , ولو كان المبيع حاضرا مشارا إليه لأن الوصف هنا معتبر من البائع , ويترتب على فواته خيار للمشترى يسمى: خيار فوات الوصف.
ويستوى في استحقاق الخيار بفوات الوصف أن يكون المبيع حاضرا أو غائبا.
وإذا كان المبيع غائبا , فإما أن يشترى بالوصف الكاشف له , على النحو المبين في عقد السلم , وإما أن يشترى دون وصف , بل يحدد بالإشارة إلى مكانه أو إضافته إلى ما يتميز به.
فإن كان البيع بالوصف , وهو هنا غير الوصف المرغوب السابق , فإذا تبينت المطابقة بين المبيع بعد مشاهدته وبين الوصف لزم البيع , وإلا كان للمشترى خيار الخلف عند جمهور الفقهاء.
أما الحنفية فإنهم يثبتون للمشترى هنا خيار الرؤية , لقوله صلى الله عليه وسلم: من اشترى شيئا ولم يره كان له الخيار حتى يراه فإذا رآه كان مخيرا: فإن شاء قبله وإن شاء فسخ المبيع , وإذا مات المشتري لزم البيع ولا خيار لوارثه.
وبيع الغائب مع الوصف صحيح عند الجمهور في الجملة (الحنفية والمالكية والحنابلة وهو مقابل الأظهر عند الشافعية) , فقد أجازه الحنفية ولو لم يسبق وصفه.
وفي قول للشافعية لابد من الوصف لأن للمشترى هنا خيار الرؤية على كل حال , سواء مع الوصف والمطابقة , أو المخالفة , ومع عدم الوصف.
وهو خيار حكمي لا يحتاج إلى اشتراط , وأجازه الحنابلة مع الوصف على الوجه المطلوب لصحة السلم , وقصروا الخيار على حال عدم المطابقة.
وأجازه المالكية بثلاثة شروط ,
الأول: ألا يكون قريبا جدا بحيث تمكن رؤيته بغير مشقة , لأن بيعه غائبا في هذه الحال عدول عن اليقين إلى توقع الضرر فلا يجوز.
وثانيا: ألا يكون بعيدا جدا , لتوقع تغيره قبل التسليم , أو لاحتمال تعذر تسليمه.
وثالثا: أن يصفه البائع بصفاته التي تتعلق الأغراض بها وهى صفات السلم.
والأظهر في مذهب الشافعية: أنه لا يصح بيع الغائب , وهو ما لم يره المتعاقدان أو أحدهما , وإن كان حاضرا , للنهي عن بيع الغرر. أما البيع على البرنامج , وهو الدفتر المبينة فيه الأوصاف , أو على الأنموذج بأن يريه صاعا ويبيعه الصبرة على أنها مثله فقد أجازه الحنفية , وهو قول للحنابلة صوبه المرداوي والمالكية , والأصح للحنابلة منعه وأجازه الشافعية فيما لو قال مثلا: بعتك الحنطة التي في هذا البيت , وهذا أنموذجها , ويدخل الأنموذج في البيع.