فالفرض الأول باطل من أساسه؛ لأن المسببات مرتبطة بأسبابها، والنتائج مرهونة بمقدماتها.
ولا يتصور العقل أن يوجد معلول بدون علة، ولا مسبَّب دون أن يسبق بسبب، ولا نتيجة من غير أن يكون لها مقدمات.
فصدور الكون من العدم معناه وجود المعلول بدون علة، والمسبَّب دون سببه والنتيجة دون مقدماتها .. أى أن الكون وجد من نفسه وصدر منقطعًا عن سببه.
ووجود الأشياء من نفسها منقطعة عن أسبابها محال عقلاً وواقعًا؛ لأن وجود الأشياء من نفسها مع انقطاعها عن أسبابها ترجيح لجانب الوجود على جانب العدم بدون مرجح، وترجيح جانب الوجود على جانب العدم بدون مرجح محال.
إننا إذا قلنا: إن الكون وجد من نفسه منقطعًا عن سببه كان ذلك مساويًا لقولنا بأن العدم سبب الوجود.
وهذا غاية فى البطلان؛ لأن العدم لا يتصور أن يكون مصدرًا للوجود، ففاقد الشىء لا يعطيه، وهذا هو ما أشارت إليه الآية الكريمة:
{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ} (١)
أى هل وجدوا من غير خالق؟! أم خلقوا أنفسهم، فلا يحتاجون إلى أحد يخلقهم؟! وكل هذا مستحيل.
والفرض الثانى وهو أعظم تهافتًا من الفرض الأول، فإن الصدفة لا يمكن أن
(١) سورة الطور - الآية ٣٥، ٣٦.