وبقى أن نعرف أن أقرب مجرة لمجراتنا تبعد سبعمائة ألف سنة ضوئية " (١).
أفبعد هذا يتصور العقل أن يكون ذلك ناشئًا بطريق الصدفة؟
إن القول بالصدفة فى خلق الكون لا يتصوره العقل، ولا يقره العلم، ولا يقوله إنسان إلا إذا فقد أخص خصائصه من الإدراك والتمييز.
قال الفيلسوف الألمانى (إدوارد هارنمان) خليفة (شوبنهور) فى كتابه (المذهب الدرونى): " إن الرأى الذى مقتضاه عدم وجود القصد فى الكون عند الدارونيين لا يقوم عليه دليل، وهو من الأوهام التى لا أساس لها من العلم ".
وقال الأستاذ (فون باير) الألمانى فى كتابه (دحض مذهب دارون): " وإذا كانوا يعلنون الآن بصوت جهورى بأنه لا يوجد قصد فى الطبيعة، وأن الكون لا تقوده إلا ضرورات عمياء، فأنا أعتقد أن من واجباتى أن أعلن عقيدتى فى ذلك، وهى أنى - على العكس - أرى جميع هذه الضرورات تكشف عن أغراض سامية " .. قال الأستاذ الكبير (محمد فريد وجدى) - رحمه الله - بعد أن ذكر هذا الكلام الأخير: " ولو شئنا الاستئناس بمئات من أقطاب العلم والفلسفة على رأى عدم وجود القصد فى الخليقة، لما كلفنا ذلك أكثر من النقل ".
ومتى ثبت وجود القصد فى الكون، فقد ثبت وجود المدبر الحكيم جل وعلا من طريق محسوس لا سبيل للجدل فيه، مصداقًا لقوله تعالى:
{أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} (٢).
وإذا لم يصح الفرض الأول، ولا الفرض الثانى؛ لأنهما خارجان عن دائرة العقل والمنطق والعلم، لم يبق إلا الفرض الثالث:
(١) قصة الكون من السديم إلى الإنسان، من كتاب الطاقة الإنسانية.
(٢) سورة إبراهيم - الآية ١٠.