يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَمَّا أَكْرَمَ بِهِ آدم: أنه أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ لَهُ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ وأنه أباح له الْجَنَّةَ يَسْكُنُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ وَيَأْكُلُ مِنْهَا مَا شَاءَ رَغَدًا أَيْ هَنِيئًا وَاسِعًا طَيِّبًا. وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الدَّامَغَانِيِّ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ مِيكَائِيلَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَيْتَ آدَمَ، أَنَبِيًّا كَانَ؟
قَالَ: «نَعَمْ نَبِيًّا رَسُولًا كَلَّمَهُ الله قبيلا» - يعني عيانا- فَقَالَ: اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْجَنَّةِ الَّتِي أُسْكِنَهَا آدَمُ أَهِيَ فِي السَّمَاءِ أَمْ فِي الْأَرْضِ؟ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ الْقَوْلَ بِأَنَّهَا فِي الْأَرْضِ، وَسَيَأْتِي تَقْرِيرُ ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَسِيَاقُ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنَّ حَوَّاءَ خُلِقَتْ قَبْلَ دُخُولِ آدَمَ الْجَنَّةَ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَيْثُ قَالَ: لَمَّا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ مُعَاتَبَةِ إِبْلِيسَ أَقْبَلَ عَلَى آدَمَ وَقَدْ عَلَّمَهُ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا فَقَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ: ثُمَّ أُلْقِيَتِ السِّنَةُ «١» عَلَى آدَمَ فِيمَا بَلَغَنَا عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ أَخَذَ ضِلْعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ مِنْ شِقِّهِ الْأَيْسَرِ وَلَأَمَ مَكَانَهُ لَحْمًا، وَآدَمُ نَائِمٌ لَمْ يَهُبَّ مِنْ نَوْمِهِ حَتَّى خَلَقَ اللَّهُ مِنْ ضِلْعِهِ تِلْكَ زَوْجَتَهُ حَوَّاءُ فَسَوَّاهَا امْرَأَةً لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا، فَلَمَّا كُشِفَ عَنْهُ السِّنَةُ وَهَبَّ مِنْ نَوْمِهِ رَآهَا إِلَى جَنْبِهِ فَقَالَ، فِيمَا يَزْعُمُونَ وَاللَّهُ أعلم: «لحمي ودمي وزوجتي» فَسَكَنَ إِلَيْهَا، فَلَمَّا زَوَّجَهُ اللَّهُ وَجَعَلَ لَهُ سكنا من نفسه قال له قبيلا: يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ «٢» .
وَيُقَالُ إِنَّ خَلْقَ حواء كان بعد دخول الجنة كما قال السُّدِّيُّ فِي خَبَرٍ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ مُرَّةَ وعن ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ نَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ: أُخْرِجُ إِبْلِيسُ مِنَ الْجَنَّةِ وَأُسْكِنَ آدَمُ الْجَنَّةَ فَكَانَ يَمْشِي فِيهَا وَحْشًا لَيْسَ لَهُ زَوْجٌ يَسْكُنُ إِلَيْهِ فَنَامَ نَوْمَةً فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَ رَأْسِهِ امْرَأَةٌ قَاعِدَةٌ خَلَقَهَا اللَّهُ مِنْ ضِلْعِهِ، فَسَأَلَهَا: مَا أَنْتِ؟ قَالَتِ: امْرَأَةٌ، قَالَ: وَلِمَ خُلِقْتِ؟
قَالَتْ: لِتَسْكُنَ إِلَيَّ. قَالَتْ لَهُ الْمَلَائِكَةُ يَنْظُرُونَ مَا بَلَغَ مِنْ عِلْمِهِ: مَا اسْمُهَا يَا آدَمُ، قَالَ: حَوَّاءُ، قَالُوا: وَلِمَ سُمِّيَتْ حَوَّاءَ؟ قَالَ: لأنها خُلِقَتْ مِنْ شَيْءٍ حَيٍّ. قَالَ اللَّهُ: يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَهُوَ اخْتِبَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَامْتِحَانٌ لِآدَمَ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الشَّجَرَةِ مَا هِيَ، فَقَالَ السُّدِّيُّ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الشَّجَرَةُ الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا آدَمُ عليه
(١) السّنة: النعاس.
(٢) الأثر في الطبري ١/ ٢٦٧.