ونظير ذلك قول الله عز وجلَّ: " والله يشهد إنَّ المنافقين لكاذبون " وقال عز وجلَّ: " فشهادة أحدهم أربع شهاداتٍ بالله إنَّه لمن الصَّادقين "؛ لأن هذا توكيدُ كأنه قال: يحلف بالله إنه لمن الصادقين.
.وقال الخليل: أشهد بأنك لذاهبُ غير جائز، من قبل أنَّ حروف الجر لا تعَّلق. وقال: أقول أشهد إنه لذاهبٌ وإنه لمنطلقٌ، أتبع آخره أوله. وإن قلت: أشهد أنه ذاهبُ، وإنه لمنطلقُ،. لم يجز إلاَّ الكسر في الثاني، لأن اللام لا تدخل أبداً على أنَّ، وأن محمولةُ على ما قبلها ولا تكون إلا مبتدأة باللام.
ومن ذلك أيضاً قولك: قد علمت إنه لخيرٌ منك. فإنَّ ههنا مبتدأةُ وعلمت ههنا بمنزلتها في قولك: لقد علمت أيهم أفضل، معلقةَّ في الموضعين جميعا.
وهذه اللام تصرف إنَّ إلى لابتداء، كما تصرف عبد الله إلى الابتداء إذا قلت قد علمت لعبد الله خيرُ منك، فعبد الله هنا بمنزلة إنَّ في أنه يصرف إلى الابتداء.
ولو قلت: قد علمت أنه لخيرُ منك، لقلت: قد علمت لزيداً خيراً منك، ورأيت لعبد الله هو الكريم، فهذه اللام لا تكون مع أنَّ ولا عبد الله إلاَّ وهما مبتدءان.
ونظير ذلك قوله عز وجل: " ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ "، فهو ههنا مبتدأ.
ونظير إنَّ مكسورةً إذا لحقتها اللام قوله تعالى: " ولقد علمت الجنةَّ إنَّهم لمحضرون " وقال أيضاً: " هل ندلكم على رجلٍ ينبئِّكم إذا مزقتم كلَّ ممزَّقٍ إنَّكم لفي خلق جديد "، فإنكم ههنا بمنزلة أيهم إذا قلت: ينبئهم أيهم أفضل.
وقال الخليل مثله: إنَّ الله يعلم ما تدعون من دونه من شيءٍ فما ههنا بمنزلة أيهم، ويعلم معلقة. قال الشاعر:
ألم تر إنّيِ وابنَ أَسْوَدَ ليلةً ... لَنَسْرِي إلى نارينِ يَعلْو سَناهُمَا
هذا باب هاءات التأنيث اعلم أن كل هاء كانت في اسم للتأنيث فإن ذلك الاسم لا ينصرف في المعرفة وينصرف في النكرة.
قلت: فما باله انصرف في النكرة وإنما هذه للتأنيث، هلا ترك صرفه في النكرة، كما ترك صرف ما فيه ألف التأنيث؟
قال: من قبل أن الهاء ليست عندهم في الاسم، وإنما هي بمنزلة اسم ضمَّ إلى اسم فجعلا اسما واحداً نحو: حضرموت. ألا ترى أن العرب تقول في حبارى: حبير، وفي جحجبى: جحيجب ولا يقولون في دجاجةٍ إلا دجيجة، ولا في قرقرةٍ إلا قريقرة، كما يقولون في حضرموت، وفي خمسة عشر: خميسة عشر، فجعلت هذه الهاء بمنزلة هذه الأشياء.
ويدلك على أن الهاء بهذه المنزلة أنها لم تلحق بنات الثلاثة ببنات الأربعة قط، ولا الأربعة بالخمسة، لأنها بمنزلة: عشر وموت، وكرب في معد يكرب. وإنما تلحق بناء المذكر، ولا يبنى عليها الاسم كالألف، ولم يصرفوها في المعرفة، كما يصرفوا معد يكرب ونحوه. وسأبين ذلك إن شاء الله.
هذا باب ما ينصرف في المذكر البتة مما ليس في آخره حرف التأنيث كلَّ مذكر سمي بثلاثة أحرف ليس فيه حرف التأنيث فهو مصروف