وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ: فَفَضَائِلُ الصِّدِّيقِ - رضي الله عنه - الَّتِي تَمَيَّزَ بِهَا: لَمْ يَشْرَكْهُ فِيهَا غَيْرُهُ.
وَفَضَائِلُ عَلِيٍّ: مُشْتَرَكَةٌ.
وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: "لَو كُنْت مُتَّخِدًا مِن أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْت أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا" (١)، وَقَوْلَهُ: "لَا يَبْقَى فِي الْمَسْجِدِ خَوْخَة إلَّا سُدَّتْ؛ إلَّا خَوْخَةُ أَبِي بَكْرٍ" (٢)، وَقَوْلَهُ: " إنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَذَاتِ يَدِهِ أَبُو بَكرٍ" (٣)، وَهَذَا فِيهِ ثَلَاثُ خَصَائِصَ لَمْ يَشْركْهُ فِيهَا أَحَدٌ:
الأُولَى: أَنَّهُ لَيْسَ لِأحَد مِنْهُم عَلَيْهِ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ مِثْلُ مَا لِأَبِي بَكرٍ.
الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: "لَا يَبْقَى فِي الْمَسْجِدِ … " إلَخْ، وَهَذَا تَخْصِيصٌ لَهُ دُونَ سَائِرِهِمْ، وَأَرَادَ بَعْضُ الْكَذَّابِينَ أَنْ يَرْوِيَ لِعَلِيّ مِثْل ذَلِكَ، وَالصَّحِيحُ لَا يُعَارِضُه الْمَوْضُوعُ.
الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: "لَو كنْت مُتَّخِدًا خَلِيلًا"، نَصٌّ فِي أَنَّهُ لَا أَحَدَ مِن الْبَشَرِ اسْتَحَقَّ الْخُلَّةَ لَو أَمْكَنْت إلَّا هُوَ، وَلَو كَانَ غَيْرُهُ أَفْضَلَ مِنْهُ لَكَانَ أحَقَّ بِهَا لَو تَقَعُ.
وَكَذَلِكَ أَمْرُهُ لَه أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ مُدَّةَ مَرَضِهِ مِن الْخَصَائِصِ.
وَكَذَلِكَ تَأُمِيرُهُ لَهُ فِي الْمَدِينَةِ عَلَى الْحَجِّ لِيُقِيمَ السُّنَّةَ، ويمْحَقَ آثَارَ الْجَاهِلِيَّةِ؛ فَإِنَّه مِن خَصَائِصِهِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيح (٤): "اُدْعُ أَبَاك وَأَخَاك حَتَّى كتُبَ لِأَبِي بَكْرٍ كِتَابًا"، وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كَثِيرَةٌ تُبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَكُن فِي الصَّحَابَةِ مَن يُسَاوِيهِ.
(١) رواه البخاري (٣٦٥٦)، ومسلم (٥٣٢).
(٢) رواه البخاري (٣٩٠٤)، ومسلم (٢٣٨٢).
والخوخة: هو موضع المرور كالباب.
(٣) رواه البخاري (٤٦٦)، ومسلم (٢٣٨٢).
(٤) مسلم (٢٣٨٧).