يُكَلِّمُ الْبَشَرَ وَحْيًا، وَيُكَلِّمُهُ بِمَلَكٍ يُوحِي بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ، وَالثَّالِثُ: التَّكْلِيمُ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ (١).
وَقَد قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: الْمُرَادُ بِالْوَحْيِ هُنَا الْوَحْيُ فِي الْمَنَامِ، وَلَمْ يَذْكرْ أَبُو الْفَرَجِ غَيْرَه، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّ الْمَنَامَ:
أ- تَارَة يَكُونُ مِنَ اللهِ.
ب- وَتَارَةً يَكُونُ مِنَ النَّفْسِ.
ج- وَتَارَة يَكُونُ مِنَ الشَّيْطَانِ.
وَهَكَذَا مَا يُلْقَى فِي الْيَقَظَةِ.
وَالْأَنْبِيَاءُ مَعْصُومُونَ فِي الْيَقَظَةِ وَالْمَنَامِ، وَلهَذَا كَانَت رُؤَيا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيًا، كَمَا قَالَ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَقَرَأَ قَوْلَهُ: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} الصافات: ١٠٢.
فَإِذَا جَازَ أَنْ يُوحَى إلَيْهِ فِي حَالِ النَّوْمِ، فَلِمَاذَا لَا يُوحَى إلَيْهِ فِي حَالِ الْيَقَظَةِ؟ كَمَا أَوْحَى إلَى أُمّ مُوسَى وَالْحَوَارِيّينَ وَإِلَى النَّحْلِ، لَكِنْ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُطْلِقَ الْقَوْلَ عَلَى مَا يَقَعُ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ وَحْيٌ لَا فِي يَقَظَةٍ وَلَا فِي الْمَنَامِ إلَّا بِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ فَإِنَ الْوَسْوَاسَ غَالِبٌ عَلَى النَّاسِ. ١٧/ ٥٣١ - ٥٣٢
* * *
(١) وذلك في قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١)} الشورى: ٥١.