(فضائل الشام وأهلِه)
١٢٦١ - ثَبَتَ لِلشَّامِ وَأَهْلِهِ مَنَاقِبُ: بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَآثَارِ الْعُلَمَاءِ، وَهِيَ أَحَدُ مَا اعْتَمَدْته فِي تَحْضِيضِي الْمُسْلِمِينَ عَلَى غَزْوِ التَّتَارِ وَأَمْرِي لَهُم بِلُزُومِ دِمَشْقَ، وَنَهْيِي لَهُم عَن الْفِرَارِ إلَى مِصْرَ، وَاسْتِدْعَائِي الْعَسْكَرَ الْمِصْرِيَّ إلَى الشَّامِ وَتَثْبِيتِ الشَّامِيِّ فِيهِ، وَقَد جَرَتْ فِي ذَلِكَ فُصُولٌ مُتَعَدِّدَةٌ.
وَهَذِهِ الْمَنَاقِبُ أُمُورٌ:
أَحَدُهَا: الْبَرَكَةُ فِيهِ، ثَبَتَ ذَلِكَ بِخَمْسِ آياتٍ مِن كتَابِ اللهِ تَعَالَى (١).
وَأَيْضًا: فَفِيهَا الطُّورُ الَّذِي كَلَّمَ اللهُ عَلَيْهِ مُوسَى، وَاَلَّذِي أَقْسَمَ اللهُ بِهِ فِي "سُورَةِ الطُّورِ" وفِي {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١) وَطُورِ سِينِينَ (٢)} التين: ١ - ٢.
وَفِيهَا الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى.
وَفِيهَا مَبْعَثُ أَنْبِيَاءَ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَإِلَيْهَا هِجْرَةُ إبْرَاهِيمَ، وَإِلَيْهَا مَسْرَى نَبِيَّنَا، وَمِنْهَا مِعْرَاجُهُ، وَبِهَا مُلْكُهُ وَعَمُودُ دِينِهِ وَكِتَابِهِ وَطَائِفَة مَنْصُورَةٌ مِن أُمَّتِهِ، وَإِلَيْهَا الْمَحْشَرُ وَالْمَعَادُ، كَمَا أَنَ مِن مَكَّةَ الْمَبْدَأُ، فَمَكَّةُ أُمُّ الْقُرَى مِن تَحْتِهَا دُحِيَت الْأَرْضُ، وَالشَّامُ إلَيْهَا يُحْشَرُ النَّاسُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: {لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} الحشر: ٢ نَبَّهَ عَلَى الْحَشْرِ الثَّانِي، فَمَكَّةُ مَبْدَأٌ، وإيليا مَعَادٌ فِي الْخَلْقِ، وَكَذَلِكَ فِي الْأمْرِ فَإِنَّهُ أسْرِيَ بِالرَّسُولِ مِن مَكَّةَ إلَى إيليا، وَمَبْعَثُهُ وَمَخْرَجُ دِينِهِ مِن مَكَّةَ، وَكَمَالُ دِينِهِ وَظُهُوور وَتَمَامُهُ حَتَّى مَمْلَكَةِ الْمَهْدِيِّ بِالشَّامِ، فَمَكَّةُ هِيَ الْأَوَّلُ، وَالشَّامُ هِيَ الْآخِرُ: فِي الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ، فِي الْكَلِمَاتِ الْكَوْنِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ.
وَمِن ذَلِكَ: أَنَّ بِهَا طَائِفَةً مَنْصُورَةً إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، وَهِيَ الَّتِي ثَبَتَ فِيهَا الْحَدِيثُ فِي الصِّحَاحِ مِن حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ وَغَيْرِهِ: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِن أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُم مَن خَالَفَهُم وَلَا مَن خَدَلَهُم حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ" (٢).
وَفِيهِمَا عَن مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: "وَهُم فِي الشَّامِ".
(١) سيأتي بيانها.
(٢) رواه البخاري (٦٨٨١)، ومسلم (١٩٢٠).