١٢٩٩ - الْعَرَبِيَّةُ إنَّمَا احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهَا لِأَجْلِ خِطَابِ الرَّسُولِ بِهَا، فَإِذَا أَعْرَضَ عَن الْأَصْلِ كَانَ أهْلُ الْعَرَبِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ شُعَرَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ أَصْحَابِ الْمُعَلَّقَاتِ السَّبْعِ وَنَحْوِهِمْ مِن حَطَبِ النَّارِ. ١٣/ ٢٠٧
١٣٠٠ - الْكَلَام نَوْعَانِ: إنْشَاءٌ فِيهِ الْأمْرُ، وَإِخْبَار.
فَتَأوِيلُ الْأَمْرِ: هوَ نَفْسُ الْفِعْلِ الْمَأمُورِ بِهِ، كَمَا قَالَ مَن قَالَ مِن السَّلَفِ: إن السُّنَّةَ هِيَ تَأوِيلُ الْأَمْرِ. قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبْحَانَك اللهُمَّ وَبِحَمْدِك اللهم اغفِرْ لِي يتأوَّلُ الْقُرْآنَ" (١) تَعْنِي قَوْلَهُ: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (٣)} النصر: ٣.
وَأما الْإِخْبَارُ: فَتَأوِيلُهُ عَيْنُ الْأمْرِ الْمُخْبَرِ بِهِ إذَا وَقَعَ، لَيْسَ تَأوِيلُهُ فَهْمَ مَعْنَاهُ. ١٣/ ٢٧٧
١٣٠١ - الْعَرَبُ تُضَمِّنُ الْفِعْلَ مَعْنَى الْفِعْلِ وَتُعَدِّيهِ تَعْدِيَتَهُ، وَمِن هُنَا غَلِطَ مَن جَعَلَ بَعْضَ الْحُرُوفِ تَقُومُ مَقَامَ بَعْضٍ، كَمَا يَقُولُونَ فِي قَوْلِهِ: " {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ} ص: ٢٤؛ أيْ: مَعَ نِعَاجِهِ، و {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} الصف: ١٤؛ أَيْ: مَعَ اللهِ، وَنَحْو ذَلِكَ.
وَالتَّحْقِيقُ مَا قَالَهُ نُحَاةُ الْبَصْرَةِ مِن التَّضْمِينِ، فَسُؤَالُ النعْجَةِ يَتَضَمنُ جَمْعَهَا وَضَمهَا إلَى نِعَاجِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} الإسراء: ٧٣ ضُمن مَعْنَى يُزِيغُونَك وَيَصُدُّونَك، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} الأنبياء: ٧٧ ضُمنَ مَعْنَى نَجَّيْنَاهُ وَخَلصْنَاهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} الإنسان: ٦ ضُمنَ يُرْوَى بِهَا، وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَة (٢).
(١) رواه البخاري (٨١٧)، ومسلم (٤٨٤).
(٢) قال اللغوي ابن جني رحمه الله تعالى في "باب في استعمال الحروف بعضها مكان بعض": هذا باب يتلقاه الناس مغسولا ساذجا من الصنعة، وما أبعد الصواب عنه وأوقفه دونه. =