وَكَمَا فِي الْحَدِيثِ: "أُتِيَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بنِهْب إبِلٍ" (١) وفِي الْمَثَلِ السَّائِرِ: "أَسْمَعُ جَعْجَعَةً وَلَا أَرَى طِحْنًا" بِالْكَسْرِ؛ أيْ: وَلَا أَرَى طَحِينًا.
وَمَن قَالَ بِالْفَتْحِ أَرَادَ الْفِعْلَ، كَمَا أنَّ الذَّبْحَ وَالنَّهْبَ هُوَ الْفِعْلُ، وَمِن النَّاسِ مَن يُغَلِّطُ هَذَا الْقَائِلَ.
وَهَذِهِ الْأمُورُ وَأَمْثَالُهَا هِيَ مَعْرُوفَة مِن لُغَةِ الْعَرَبِ لِمَن عَرَفَهَا، مَعْرُوفَةٌ بِالِاسْتِقْرَاءِ وَالتجْرِبَةِ تَارَةً، وَبِالْقِيَاسِ أُخْرَى، كَمَا تَفْعَلُ الْأَطِبَّاءُ فِي طَبَائِعِ الْأَجْسَامِ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا: أنَّه إذَا كَانَ مِن الْأسْمَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ الْأَلْفَاظِ مَا يَكُونُ مَعْنَاهُ وَاحِدًا كَالْجُلُوسِ وَالْقُعُودِ -وَهِيَ الْمُتَرَادِفَةُ-.
وَمِنْهَا: مَا تَتَبَايَنُ مَعَانِيهَا كَلَفْظِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.
وَمِنْهَا: مَا يَتَّفِقُ مِن وَجْهٍ وَيَخْتَلِفُ مِن وَجْهٍ كَلَفْظِ الصَّارِمِ وَالْمُهَنَّدِ، وَهَذَا قِسْمٌ ثَالِثٌ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَعْنَى هَذَا مُبَايِنًا لِمَعْنَى ذَاكَ كَمُبَايَنَةِ السَّمَاءِ لِلْأَرْض، وَلَا هُوَ مُمَاثِلًا لَهَا كَمُمَاثَلَةِ لَفْظِ الْجلوسِ لِلْقُعُودِ، فَكَذَلِكَ الْأَسْمَاءُ الْمُتَّفِقَةُ اللًّفْظِ قَد يَكُونُ مَعْنَاهَا مُتَّفِقًا وَهِيَ الْمُتَوَاطِئَةُ، وَقَد يَكُونُ مَعْنَاهَا مُتَبَايِنًا وَهِيَ الْمُشْتَرِكَةُ اشْتِرَاكًا لَفْظِيًّا؛ كَلَفْظِ سُهَيْلٍ الْمَقُولِ عَلَى الْكَوْكَبِ، وَعَلَى الرَّجُلِ.
وَقَد يَكُونُ مَعْنَاهَا مُتَّفِقًا مِن وَجْهٍ مُخْتَلِفًا مَن وَجْهٍ، فَهَذَا قِسْمٌ ثَالِثٌ، لَيْسَ هُوَ كَالْمُشْتَرَكِ اشْتِرَاكًا لَفْظِيًّا، وَلَا هُوَ كَالْمُتَّفِقَةِ الْمُتَوَاطِئَةِ، فَيَكُونُ بَيْنَهَا اتِّفَاقٌ هُوَ اشْتِرَاكٌ مَعْنَوِيٌّ؛ مِن وَجْهٍ، وَافْتِرَاقٌ هُوَ اخْتِلَافٌ مَعْنَوِيٌّ مِن وَجْهٍ، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَكُونُ إلَّا إذَا خُصَّ كُلُّ لَفْظٍ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى الْمُخْتَصّ.
وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كَثِيرَةٌ فِي الْكَلَامِ الْمُؤَلَّفِ، أَو هِيَ أَكْثَرُ الْأَلْفَاظِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْكَلَامِ الْمُؤَلَّفِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ كُلُّ مُتَكَلِّمٍ؛ فَإِنَّ الْألْفَاظَ الَّتِي يُقَالُ: إنَّهَا
(١) رواه البخاري (٣١٣٣)، ومسلم (١٦٤٩).