فَقَوْلُك: ظَهْرُ الطَّرِيقِ وَمَتْنُهَا: لَيْسَ هُوَ كَقَوْلِك: ظَهْرُ الْإِنْسَانِ وَمَتْنُه، بَل وَلَا كَقَوْلِك: ظَهْرُ الْفَرَسِ وَمَتْنُهُ، وَلَا كَقَوْلِك: ظَهْرُ الْجَبَلِ.
وَكَذَلِكَ لَفْظُ السَّيْفِ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "إن خَالِدًا سَيْفٌ سَلَّهُ اللهُ عَلَى الْمُشْرِكينَ" (١) لَيْسَ مِثْل لَفْظِ السَّيْفِ فِي قَوْلِهِ: "مَن جَاءكُمْ وَأَمْرُكُمْ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ كائِنًا مَن كانَ" (٢)، فَكُلٌّ مِن لَفْظِ السَّيْفِ هَاهُنَا وَهَاهُنَا مَقْرُون بِمَا يُبَيِّنُ مَعْنَاهُ.
فَقَد تَبَيَّنَ أنَّهُ لَيْسَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى ظَهْرِ الْإنْسَانِ هُوَ اللَّفْظ الدَّالّ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُ مِن اخْتِلَافِ مَعْنَى اللَّفْظَيْنِ أنْ يَكونَ مُشْتَرِكًا؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ لَا (٣) يَكُونُ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ اخْتَلَفَ مَعْنَاهُ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تَمْنَعُونَ ثُبُوتَ الِاشْتِرَاكِ وَقَد قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى وُجُودِهِ؟
قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَهُ قَامَ دَليل عَلَى وُجُودِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ادَّعَوْهُ.
وإذَا قِيلَ: الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ وَالْكَلَامُ وَالِاسْتِوَاءُ وَالنُّزُولُ وَنَحْوُ ذَلِكَ: تَارَةً يُذْكَرُ مُطْلَقًا عَامًّا، وَتَارَة يُقَالُ: عِلْمُ اللّهِ وَقُدْرَتُهُ، وَكَلَامُهُ، وَنُزُولُهُ، وَاسْتِوَاؤُهُ: فَهَذَا يَخْتَصُّ بِالْخَالِقِ، لَا يَشْرَكُهُ فِيهِ الْمَخْلُوقُ، كَمَا إذَا قِيلَ: عِلْمُ الْمَخْلُوقِ وَقُدْرَتُهُ، وَكَلَامُهُ، وَنُزُولُهُ، وَاسْتِوَاؤُهُ: فَهَذَا يَخْتَصُّ بِالْمَخْلُوقِ وَلَا يَشْرَكُهُ فِيهِ الْخَالِقُ.
فَالْإِضَافَةُ أَو التَّعْرِيفُ خَصَّصَ وَمَيَّزَ وَقَطَعَ الِاشْتِرَاكَ بَيْنَ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ.
(١) رواه الإمام أحمد (٤٣)، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (٣٢٠٧).
(٢) رواه مسلم (١٨٥٢)، بلفظ: "من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم، فاقتلوه".
(٣) هكذا في الأصل، ولعل الصواب حذفها؛ ومن المعلوم أنّ اللفظ المشترك هو: ما اتحد لفظه، واختلف معناه؛ مثل: (عين الماء) و (عين المال) و (عين السحاب).