وَاسْتِعَارَةٌ، لَكنَّ قَوْلَهُ: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ} اُسْتُعْمِلَ فِيهِ لَفْظُ الِاشْتِعَالِ مُقَيَّدًا بِالرَّأسِ لَمْ يَحْتَمِل اللَّفْظ فِي اشْتِعَالِ الْحَطَبِ.
قَالَ: وَعَن قَوْلِهِ: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} الإسراء: ٢٤، وَالذُّلُّ لَا جَنَاحَ لَهُ؟
فَيُقَالُ لَهُ: لَا رَيْبَ أَنَّ الذُّلَّ لَيْسَ لَهُ جَنَاحٌ مِثْل جَنَاحِ الطَّائِرِ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلطَّائِرِ جَنَاحٌ مِثْل أَجْنِحَةِ الْمَلَائِكةِ، وَلَا جَنَاحُ الذُّلِّ مِثْل جَنَاحِ السَّفَرِ، لَكِنَّ جَنَاحَ الْإِنْسَانِ جَانِبُهُ، كَمَا أَن جَنَاحَ الطَّيْرِ جَانِبُهُ، وَالْوَلَدُ مَأمُورٌ بِأَنْ يَخْفِضَ جَانِبَهُ لأبَوَيْهِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الذُّلِّ لَهُمَا.
قَالَ: وَقَوْلُهُ: {أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} البقرة: ١٩٧، وَالْأشْهُرُ لَيْسَتْ هِيَ الْحَجَّ؟
فَيُقَالُ: مِن عَادَةِ الْعَرَبِ الْحَسَنَةِ فِي خِطَابِهَا أَنَّهُم يَحْذِفُونَ مِن الْكَلَامِ مَا يَكُونُ الْمَذْكورُ دَلِيلًا عَلَيْهِ اخْتِصَارًا، كَمَا أَنَّهُم يُورِدُونَ الْكَلَامَ بِزِيَادَةٍ تَكُونُ مُبَالَغَةً فِي تَحْقِيقِ الْمَعْنَى.
فَالْأوَّلُ: كَقَوْلِهِ: {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ} الشعراء: ٦٣، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُرَادَ: "فَضَرَبَ فَانْفَلَقَ" لَكِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِ ذَلِكَ فِي اللَّفْظِ إذ كَانَ قَوْلُهُ: قُلْنَا: (أَنِ اضْرِبْ فَانْفَلَقَ): دَليلًا عَلَى أنه ضَرَبَ فَانْفَلَقَ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ} البقرة: ١٧٧، تَقْدِيرُهُ: "بِرُّ مَن آمَنَ" أَو "صَاحِبُ مَن آمَنَ".
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ}؛ أَيْ: أَوْقَاتُ الْحَجِّ أَشْهُرٌ؛ فَالْمَعْنَى مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي تَسْمِيَةِ هَذَا مَجَازًا.
قَالَ: وَقَوْلُهُ: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} البقرة: ١٩٤، قَالَ: وَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِعُدْوَانِ؟
فَيُقَالُ: الْعُدْوَانُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ، لَكِنْ إنْ كَانَ بِطَرِيقِ الظُّلْمِ كَانَ مُحَرَّمًا،