(مَذْهب السَّلَفِ في الْقُرْآن)
١٣٢٧ - مَذْهَبُ سَلَفِ الْأمةِ وَأَئِمتِهَا مِن الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان وَسَائِرِ أَئِمةِ الْمُسْلِمِينَ كَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَهوَ الَّذِي يُوَافِقُ الْأدِلَّةَ الْعَقْلِيةَ الصَّرِيحَةَ: أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللهِ مُنَزل غَيْرُ مَخْلوقٍ، مِنْهُ بَدَأَ وإلَيْهِ يَعُودُ، فَهُوَ الْمُتَكَلِّمُ بِالْقُرْآنِ وَالتَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِن كَلَامِهِ، لَيْسَ ذَلِكَ مَخْلُوقًا منْفَصِلا عَنْهُ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتهِ، فَكَلَامُهُ قَائِم بِذَاتِهِ، لَيْسَ مَخْلُوقًا بَائِنًا عَنْهُ، وَهُوَ يَتَكَلمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتهِ.
فَكلَامُهُ قَدِيم بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ.
وَاللهُ سُبْحَانَه تكلمَ بِالْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ وَبِالتوْرَاةِ الْعِبْرِيَّةِ.
قَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ -رَحِمَه اللهُ-: مِنْهُ بَدَأَ؛ أَيْ: هُوَ الْمُتَكَلّمُ بِهِ، فَإِنَّ الَّذِينَ قَالُوا: إنَّهُ مَخْلُوق، قَالُوا خَلَقَهُ فِي غَيْرِهِ فَبَدَأ مِن ذَلِكَ الْمَخْلُوقُ.
وإنمَا يَتَّصِفُ الرَّبُّ تَعَالَى بِمَا يَقُومُ بِهِ مِن الصِّفَاتِ لَا بِمَا يَخْلُقُهُ فِي غَيْرِهِ مِن الْمَخْلُوقَاتِ.
وَمَن جَعَلَ كَلَامَهُ مَخْلُوقا لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ الْمَخْلُوقُ هُوَ الْقَائِلُ لِمُوسَى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (١٤)} طه: ١٤، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا كَلَامًا إلَّا لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. ١٢/ ٣٧ - ٤١
* * *
(السَّمَاع الَّذِي شَرَعَه اللّه تَعَالَى لِعِبادِهِ)
١٣٢٨ - السَّمَاعُ الَّذِي شَرَعَهُ اللهُ تَعَالَى لِعِبَاده وَكانَ سَلَفُ الأمَّةِ مِن الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ يَجْتَمِعونَ عَلَيْهِ لِصَلَاحِ قُلُوبِهِم وَزَكَاةِ نُفُوسِهِمْ: هُوَ سَمَاعُ آياتِ اللهِ تَعَالَى، وَهُوَ سَمَاعُ النَّبِيّينَ وَالْمُؤمِنِينَ وَأهْلِ الْعِلْمِ وَأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ.
وَبِهَذَا السَّمَاعِ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ