وَاللهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ مِمَّا يُعَاقِبُ بِهِ النَّاسَ عَلَى الذُّنُوبِ سَلْبَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ النَّافِعِ كَقَوْلِهِ: {وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} النساء: ١٥٥.
وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ حَرَّمَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ؛ لِأَجْلِ ظُلْمِهِمْ وَبَغْيِهِمْ، فَشَرِيعَةُ مُحَمَّدٍ لَا تُنْسَخُ، وَلَا تعَاقَبُ أُمَّتُهُ كلُّهَا بِهَذَا، وَلَكِنْ قَد تُعَاقَبُ ظَلَمَتُهُم بِهَذَا، بِأَنْ يُحْرَمُوا الطَّيِّبَاتِ أَو بِتَحْرِيمِ الطَّيِّبَاتِ: إمَّا تَحْرِيمًا كَوْنِيًّا بِأَنْ لَا يُوجَدَ غَيْثُهُم وَتَهْلَكَ ثِمَارُهُم وَتُقْطَعَ الْمِيرَةُ عَنْهُمْ، أَو أَنَّهُم لَا يَجِدُونَ لَذَّةَ مأْكَل وَلَا مَشْرَبٍ وَلَا منكح وَلَا مَلْبَسٍ وَنَحْوِهِ، كَمَا كَانُوا يَجِدُونَهَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَتُسَلَّطَ عَلَيْهِم الْغُصَصُ وَمَا يُنَغِّصُ ذَلِكَ وَيُعَوِّقُهُ، وَيَجْرَعُونَ غُصَصَ الْمَالِ وَالْوَلَدِ وَالْأَهْلِ.
فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمُقَصِّرِينَ فِي طَاعَتِهِ مِن الْأُمَّةِ قَد يُؤَاخَذونَ بِالْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ، وَمِن غَيْرِ نَسْخٍ بَعْدَ الرَّسُولِ؛ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ مِن التَّيْسِيرِ، وَلعَدَمِ عِلْمِ مَن عِنْدَهُم مِن الْعُلَمَاءِ بِذَلِكَ (١).
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} فَعَلَى قَوْلَيْنِ:
قِيلَ: هُوَ مِن بَابِ التَّحْمِيلِ الْقَدَرِيِّ، لَا مِن بَابِ التَّكْلِيفِ الشَّرْعِي؛ أَيْ: لَا تَبْتَلِينَا بِمَصَائِبَ لَا نُطِيقُ حَمْلَهَا، كَمَا يُبْتَلَى الْإِنْسَانُ بِفَقْرٍ لَا يُطِيقُهُ أَو مَرَضٍ لَا يُطِيقُهُ أَو حَدَث أَو خَوْفٍ أَو حُبٍّ أَو عِشْقٍ لَا يُطِيقُهُ، وَيَكُونُ سَبَبُ ذَلِكَ ذُنُوبَهُ.
وَهَذَا مِمَّا يُبَيّنُ أَنَّ الذُّنُوبَ عَوَاقِبُهَا مَذْمُومَةٌ مُطْلَقًا (٢). ١٤/ ١٤٢ - ١٥٦
١٤٤١ - الصَّحِيحُ فِي قَوْلِهِ -تعالى-: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} البقرة: ٤ أَنَهُ وَالَّذِي قَبْلَهُ (٣) صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ وَاحِدٍ؛ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِن الْإِيمَانِ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ وَمَا أُنْزِلَ مِن قَبْلِهِ، وَالْعَطْفُ لِتَغَايُرِ الصِّفَاتِ؛ كَقَوْلِهِ: {هُوَ
(١) لم يذكر الجواب الثاني.
(٢) لم يذكر القول الثاني.
(٣) أي: قوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)}.