تَرَدُّدٍ، وَهَل تَرْفَعُ الْمَنْعَ مِن قَبُولِ الشَّهَادَةِ؟ فَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ قَالُوا تَرْفَعُهُ.
وَإِذَا اُشْتُهِرَ عَن شَخْصٍ الْفَاحِشَةُ بَيْنَ النَّاسِ لَمْ يُرْجَمْ؛ لِمَا ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحِ" (١) عَن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَ الْمُلَاعَنَةِ وَقَوْلَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "إنْ جَاءَت بِهِ يُشْبِهُ الزَّوْجَ فَقَد كَذَبَ عَلَيْهَا، وَإِن جَاءَت بِهِ يُشْبِهُ الرَّجُلَ الَّذِي رَمَاهَا بِهِ فَقَد صَدَقَ عَلَيْهَا"، فَجَاءَت بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ"، فَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَهَذِهِ الَّتِي قَالَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَو كنْت رَاجِمًا أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتهَا؟ " فَقَالَ: لَا، تِلْكَ امْرَأَة كَانَت تُعْلِنُ السُّوءَ فِي الْإِسْلَامِ (٢).
فَقَد أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَرْجْمُ أَحَدًا إلَّا بِبَيّنَةٍ وَلَو ظَهَرَ عَن الشَّخْصِ السُّوءُ.
وَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الشَّبَهَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي ذَلِكَ وَإِن لَمْ يَكُن بَيِّنةً.
وَكَذَلِكَ ثَبَتَ عَنْهُ -صلى الله عليه وسلم- أنَّهُ لَمَّا مُرَّ عَلَيْهِ بِجَنَازَةٍ فَأثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، قَالَ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-: "وَجَبَتْ" ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ: "وَجَبَتْ" فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ -رضي الله عنه-: مَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: "هَذَا أثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا، فَوَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا، فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الأَرْضِ" (٣).
وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: "يُوشِكُ أَنْ تَعْلَمُوا أَهْلَ الْجَنَّةِ مِن أَهْلِ النَّارِ" قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَبِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: "بِالثناءِ الْحَسَنِ وَالثَّناءِ السَّيِّئِ" (٤).
فَقَد جَعَلَ الِاسْتِفَاضَةَ حُجَّةً وَبَيِّنَةً فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ، وَلَمْ يَجْعَلْهَا حُجَّةً فِي الرَّجْمِ (٥).
(١) البخاري (٤٧٤٧).
(٢) تأمل كيف لم يأخذ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بالظاهر من أمرها، مع أنه ظهر ظهورًا جليًّا أنها زنت، ومع ذلك ترك الظاهر لعدم اعترافها أو عدمِ وجود الشهود، وهذا هو العدل الذي قامت به السموات والأرض.
(٣) رواه البخاري (١٣٦٧)، ومسلم (٩٤٩)، وقد أثبت لفظ الحديث وسقتُه كاملًا.
(٤) رواه الإمام أحمد (٦٤)، وابن ماجه (٤٢٢١)، وحسَّنه الألباني، وصحَّحه محققو المسند.
(٥) لأن الرجم من الأحكام الغليظة التي يجب الاحتياط بها، وكذلك الشأن في القتل والردة.