يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، فَإِذَا لَمْ يَجُز الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ الْفِعْلِ كَانَ الْفِعْلُ وَاجِبًا؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى تَرْكِ الْجَائِزِ جَائِزٌ.
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} النورة ٤، وَقَالَ فِيهَا: والذين يرمون أزواجهم ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة، فَذَكَرَ عَدَدَ الشُّهَدَاءِ وَأَطْلَقَ صِفَتَهُم وَلَمْ يُقَيِّدْهُم بِكَوْنِهِمْ مِنَّا وَلَا مِمَن نَرْضَى وَلَا مِن ذَوِي الْعَدْلِ، كَمَا قَيَّدَ صِفَةَ الشُّهَدَاءِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَلهَذَا تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ: هَل شَهَادَةُ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي يَجِبُ بِهَا الْحَدُّ عَلَى الزَّانِي مِثْلُ شَهَادَةِ أَهْلِ الْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ وَغَيْرِهِمْ، هَل تَدْرَأُ الْحَدَّ عَن الْقَاذِفِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا تَدْرَأُ الْحَدَّ عَن الْقَاذِفِ وَإِن لَمْ تُوجِبْ حَدَّ الزنى عَلَى الْمَقْذُوفِ؛ كَشَهَادَةِ الزَّوْجِ عَلَى امْرَأَتِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْرَأُ حَدَّ الْقَذْفِ وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى امْرَأَتِهِ لِمُجَرَّدِ ذَلِكَ.
فَلَا يَلْزَمُ مِن دَرْءِ الْحَدِّ عَن الْقَاذِفِ وُجُوبُ حَدِّ الزنى عَلَى الْمَقْذُوفِ؛ فَإِن كِلَاهُمَا حَدٌّ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَات.
وَلَو كَانَ الْمَقْذُوفُ غَيْرَ مُحْصَنٍ -مِثْل أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِالْفَاحِشَةِ- لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ حَدَّ الْقَذْفِ، وَلَمْ يُحَدَّ هُوَ حَدَّ الزنى لِمُجَرَّدِ الِاسْتِفَاضَةِ، وَإِن كَانَ يُعَاقَبُ كُلٌّ مِنْهُمَا دُونَ الْحَدِّ، وَقَد اُعْتُبِرَ نِصَابُ حَدِّ الزنى بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ.
وَكَذَلِكَ تُعْتَبَرُ صِفَاتُفمْ، فَلَا يُقَامُ حَدُّ الزنى عَلَى مُسْلِمٍ إلَّا بِشَهَادَةِ مُسْلِمِينَ، لَكِنْ يُقَالُ: لَمْ يُقَيّدْهُم بِأَنْ يَكُونُوا عُدُولًا مَرْضِيِّينَ كَمَا قَيَّدَهُم فِي آيةِ الدَّيْنِ لِقَوْلِهِ: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} المقرة: ٢٨٢، وَقَالَ فِي آيَةِ الْوَصِيَّةِ: {اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} المائدة: ١٠٦، وَقَالَ فِي آيةِ الرَّجْعَةِ: