مِسْكِينٍ مُتَضَرِّعٍ خَائِفٍ فَهُوَ مُعْتَدٍ (١).
هـ- وَمِن الِاعْتِدَاءِ أَنْ يَعْبُدَهُ بِمَا لَمْ يَشْرَعْ، ويُثْنِيَ عَلَيْهِ بِمَا لَمْ يُثْنِ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا أَذِنَ فِيهِ (٢).
وقَوْله تَعَالَى: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}، عَقِيبَ قَوْلِهِ: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَن لَمْ يَدْعُهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً فَهُوَ مِن الْمُعْتَدِينَ الَّذِينَ لَا يُحِبُّهُمْ.
وَقَوْلُهُ: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} الأعراف: ٥٦، فِيهِ تَنْبِيهٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّ فِعْلَ هَذَا الْمَأمُورِ هُوَ الْإِحْسَانُ الْمَطْلُوبُ مِنْكُمْ، وَمَطْلُوبُكُمْ أَنْتُمْ مِن اللهِ رَحْمَتُهُ وَرَحْمَتُه قَرِيبٌ مِن الْمُحْسِنِينَ الَّذِينَ فَعَلُوا مَا أمِرُوا بِهِ مِن دُعَائِهِ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً وَخَوْفًا وَطَمَعًا، فَقَرَّرَ مَطْلُوبَكُمْ مِنْهُ وَهُوَ الرَّحْمَةُ بِحَسَبِ أَدَائِكُمْ لِمَطْلُوبِهِ وَإِن أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ. ١٥/ ١٠ - ٢٧
١٤٩٠ - قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (٨٨) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا} الأعراف: ٨٨، ٨٩، ظَاهِرُهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ شعَيْبًا وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ كَانُوا عَلَى مِلَّةِ قَوْمِهِمْ؛ لِقَوْلِهِمْ: {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} إبراهيم: ١٣، وَلقَوْلِ شُعَيْبٍ: {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ} فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُم كَانُوا فِيهَا.
وَلقَوْلِهِ: {بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا}. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اللهَ أَنْجَاهُم مِنْهَا بَعْدَ التَّلَوُّثِ بِهَا (٣). ١٥/ ٢٩
(١) ومن صُوَر عدم التضرع في الدعاء، الذي هو أقرب للهزل منه إلى الجد: من يدعو بصوت مرتفع أن يرزقه الله ملايين الريالات، وخاصةً حينما يرده اتصال، ومَثل هذا: كمثل رجل وقف مع الناس في طريق الْمَلِك، وحينما مرّ عليه ناداه أمام الناس بصوت مرتفع: أيها الملك أعطني مالًا قدره كذا وكذا! فهذا مُخالف للأدب والمروءة، وربما يُعاقبه على سوء أدبه.
(٢) ومن الاعتداء أيضًا: أنْ يستعجل ربه في الإجابة، ويترك الدعاء إذا لم يُستجب له.
(٣) لكن لا يلزم أنّه كان معهم في شركهم وضلالهم بعد بلوغه زمن الرشد، فقد كان على مِلّةِ =