وَلهَذَا كَانَ مَعْرِفَةُ أَقْوَالِهِمْ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَأَعْمَالِهِمْ خَيْرًا وَأَنْفَعَ مِن مَعْرِفَةِ أَقْوَالِ الْمُتَأَخرِينَ وَأَعْمَالِهِمْ فِي جَمِيعِ عُلُومِ الدِّينِ وَأَعْمَالِهِ؛ كَالتَّفْسِيرِ، وَأُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ، وَالزُّهْدِ، وَالْعِبَادَةِ، وَالْأَخْلَاقِ، وَالْجِهَادِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهم أَفْضَلُ مِمَن بَعْدَهُم كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، فَالِاقْتِدَاءُ بِهِم خَيْرٌ مِن الِاقْتِدَاءِ بِمَن بَعْدَهُمْ، وَمَعْرِفَةُ إجْمَاعِهِمْ وَنزَاعِهِمْ فِي الْعِلْمِ وَالدّينِ خَيْرٌ وَأَنْفَعُ مِن مَعْرِفَةِ مَا يُذْكَرُ مِن إجْمَاعِ غَيْرِهِمْ وَنزَاعِهِمْ (١).
وَذَلِكَ أَنَّ إجْمَاعَهُم لَا يَكُونُ إلَّا مَعْصُومًا، وَإِذَا تَنَازَعُوا فَالْحَقُّ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ، فَيُمْكِنُ طَلَبُ الْحَقِّ فِي بَعْضِ أَقَاوِيلِهِمْ، وَلَا يُحْكَمُ بِخَطَأِ قَوْلٍ مِن أَقْوَالِهِمْ حَتَّى يُعْرَفَ دَلَالَةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى خِلَافِهِ. ١٣/ ٢٣ - ٢٤
١٤٩٨ - قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} التوبة: ٣٠، الْمُرَادُ بِالْيَهودِ جِنْسُ الْيَهُودِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} آل عمران: ١٧٣، لَمْ يَقُلْ جَمِيعَ النَّاسِ، وَلَا قَالَ: إنَّ جَمِيعَ النَّاسِ قَد جَمَعُوا لَكُمْ؛ بَل الْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ. ١٥/ ٤٧
١٤٩٩ - قوله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}: تَدلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِهْزَاءَ بِاللهِ كُفْرٌ وَبِالرَّسُولِ كُفْرٌ مِن جِهَةِ الِاسْتِهْزَاءِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ كُفْرٌ بِالضَّرُورَةِ، فَلَمْ يَكُن ذِكْرُ الْآيَاتِ وَالرَّسُولِ شَرْطًا، فَعُلِمَ أَنَّ الِاسْتِهْزَاءَ بِالرَّسُولِ كُفْرٌ، وَإِلَّا لَمْ يَكُن لِذِكْرِهِ فَائِدَةٌ وَكَذَلِكَ الْآيَات. ١٥/ ٤٩ - ٥٠
١٥٠٠ - قَالَ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (١٧)}، إِنَّ الْمُرَادَ بِعِمَارَتهَا: عِمَارَتُهَا بالْعِبَادَةِ فِيهَا كَالصَّلَاةِ وَالِاعْتِكَافِ، يُقَالُ: مَدِينَة عَامِرَةٌ إذَا كَانَت مَسْكُونَةً وَمَدِينَة خَرَابٌ إذَا لَمْ يَكُن فِيهَا ساكِنٌ.
(١) ولهذا؛ فالذي يبنغي لطالب العلم أن ينظر في كتب المتقدمين وسيرهم وعلومهم، فهي أنفع وأصوب.