ولو كان يوسف قصد القصاص منهم بذلك فليس هذا موضع الخلاف بين العلماء؛ فإن الرجل له أن يعاقب بمثل ما عوقب به، وإنما موضع الخلاف: هل يجوز له أن يسرق أو يخون من سرقه أو خانه مثل ما سرق منه أو خانه إياه؟ وقصة يوسف لم تكن من هذا الضرب، نعم لو كان يوسف أخذ أخاه بغير أمره لكان لهذا المحتج شبهة، مع أنه لا دلالة في ذلك على هذا التقدير أيضًا؛ فإن مثل هذا لا يجوز في شرعنا بالاتفاق، وهو أن يحبس رجل بريء ويعتقل للانتقام من غيره من غير أن يكون له جرم. المستدرك ١/ ١٨٤
١٥٠٨ - قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ يُوسُفَ: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} يوسف: ٢٤، فَاللهُ يَصْرِفُ عَن عَبْدِهِ مَا يَسُوءُهُ مِن الْمَيْلِ إلَى الصُّوَرِ (١) وَالتَّعَلُّقِ بِهَا، وَيَضرِفُ عَنْهُ الْفَحْشَاءَ بِإِخْلَاصِهِ للهِ.
وَلهَذَا يَكُونُ قَبْلَ أَنْ يَذُوقَ حَلَاوَةَ الْعُبُودِيَّةِ للهِ وَالْإِخْلَاصِ لَهُ تَغْلِبهُ نَفْسُهُ عَلَى اتّبَاعِ هَوَاهَا، فَإذَا ذَاقَ طَعْمَ الْإِخْلَاصِ وَقَوِيَ فِي قَلْبِهِ انْقَهَرَ لَهُ هَوَاهُ بِلَا عِلَاجٍ. ١٠/ ١٨٨
١٥٠٩ - قَوْلُ يُوسُفَ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا قَالَتْ لَهُ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ: {هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣)} يوسف ٢٣، الْمُرَادُ بِرَبِّهِ فِي {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} يوسف: ٢١.
وَالضَّمِيرُ فِي: {إِنَّهُ} مَعْلُومٌ بَيْنَهُمَا وَهُوَ سَيِّدُهَا (٢).
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} يوسف: ٢٤ فَهَذَا خَبَرٌ مِن اللهِ تَعَالَى أَنَّهُ رَأَى بُرْهَانَ رَبّهِ، وَرَبُّهُ هُوَ اللهُ.
(١) المقصود بالصور في كلام شيخ الإسلام وابن القيِّم رحمهما الله تعالى سورة الآدمي الحي، كالنسوان والمردان، ولا يقصدان الصور المرسومة أو المجسّمة.
(٢) والتقدير: إنّ سيدي أكرم مثواي؛ أي: إقامتي في مصر، فكيف أخونه في أهلِه؟