"الصَّحِيحَيْنِ" عَن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إنَّ عَلَيْنَا أَنْ نَجْمَعَهُ فِي قَلْبِك وَتَقْرَأَهُ بِلِسَانِك.
وَقَد قَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٩٨)} النحل: ٩٨ .. وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} الأعراف: ٢٠٤، وَهْم إنَّمَا يَسْتَمِعُونَ الْكَلَامَ نَفْسَهُ، وَلَا يَسْتَمِعُونَ مُسَمَّى الْمَصْدَرِ، الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ (١)، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُسْمَعُ.
فَقَوْلُهُ: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} مِن هَذَا الْبَابِ مِن بَابِ: نَقْرَأُ عَلَيْك أَحْسَنَ الْقَصَصِ، وَنَتْلُو عَلَيْك أَحْسَنَ الْقَصَصِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ} القصص: ٣.
وَالْمَشْهُورُ فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} الإسراء: ٤٥ أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ؛ فَكَذَلِكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ، لَكِنْ في كِلَيْهِمَا مَعْنَى الْمَصْدَرِ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ، فَفِيهِ مَعْنَى الْمَفْعُولِ بِهِ، وَمَعْنَى الْمَصْدَرِ جَمِيعًا.
وَغَالِبُ مَا يُذْكرُ لَفْظُ "الْقُرْآنِ" إنَّمَا يُرَادُ بِهِ نَفْسُ الْكَلَامِ، لَا يُرَادُ بِهِ التَّكَلُّمُ بِالْكَلَامِ الَّذِي هُوَ مُسَمَّى الْمَصْدَرِ.
وَمِثْل هَذَا كَثِيرٌ فِي اللُّغَةِ يَكُونُ أَمْرَانِ مُتَلَازِمَانِ إمَّا دَائِمًا وَإِمَّا غَالِبًا فَيُطْلَقُ الِاسْمُ عَلَيْهِمَا وَيَغْلِبُ هَذَا تَارَةً وَهَذَا تَارَةً، وَقَد يَقَع عَلَى أَحَدِهِمَا مُفْرَدًا كَلَفْظِ "النَّهْرِ" و"الْقَرْيَةِ" و"الْمِيزَابِ" ونَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ حَالٌ وَمَحَلُّ، فَالِاسْمِ يَتَنَاوَلُ مَجْرَى الْمَاءِ وَالْمَاءُ الْجَارِي، وَكَذَلِكَ لَفْظُ الْقَرْيَةِ يَتَنَاوَلُ الْمَسَاكِنَ وَالسُّكَّانَ، ثمَّ تَفولُ: حَفَرَ النَّهْرَ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمَجْرَى، وَتَقُولُ جَرَى النَّهْرُ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمَاءُ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ} النحل: ١١٢، وَالْمُرَادُ السُّكَّانُ فِي الْمَكَانِ.
(١) وهو حركة اللسان.