١٥٥٩ - قَالَ تَعَالَى: {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} الصافات: ٩٥، ٩٦ فَـ "مَا" بِمَعْنَى "الَّذِي"، وَمَن جَعَلَهَا مَصْدَرِيَّةَ فَقَد غَلِطَ. ٨/ ٧٩
* * *
سورة ص
١٥٦٠ - حجَّةُ إبْلِيسَ فِي قَوْلِهِ: {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} ص: ٧٦: بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ عَارَضَ النَّصَّ بِالْقِيَاسِ، وَلهَذَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: أَوَّلُ مَن قَاسَ إبْلِيسُ، وَمَا عُبِدَت الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ إلَّا بِالْمَقَايِيسِ.
ويظْهَرُ فَسَادُهَا بِالْعَقْلِ مِن وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ ادَّعَى أَنَّ النَّارَ خَيْرٌ مِن الطِّينِ، وَهَذَا قَد يُمْنَعُ، فَإنَّ الطِّينَ فِيهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ وَالِاسْتِقْرَارُ وَالثَّبَاتُ وَالْإِمْسَاكُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَفي النَّارِ الْخِفَّةُ وَالْحِدَّةُ وَالطَّيْشُ وَالطِّينُ فِيهِ الْمَاءُ وَالتُّرَابُ.
الثانِي: أَنهُ وَإِن كَانَت النَّارُ خَيْرًا مِن الطِّينِ فَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَخْلُوقُ مِن الْأفْضَلِ أَفْضَلَ، فَإنَّ الْفَرْعَ قَد يُخْتَصُّ بِمَا لَا يَكُونُ فِي أَصْلِهِ، وَهَذَا التُّرَابُ يُخْلَقُ مِنْهُ مِن الْحَيَوَانِ وَالْمَعَادِنِ وَالنَّبَاتِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، والِاحْتِجَاجُ عَلَى فَضْلِ الْإنْسَانِ عَلَى غَيْرِهِ بِفَضْلِ أَصْلِهِ عَلَى أَصْلِهِ: حُجَّة فَاسِدَة، احْتَجَّ بِهَا إبْلِيسُ، وَهِيَ حُجَّةُ الَّذِينَ يَفْخَرُونَ بِأنْسَابِهِمْ، وَقَد قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَن قَصَّرَ به عَمَلُهُ لَمْ يَبْلُغْ بِهِ نَسَبُهُ" (١).
الثالِثُ: أنَّه وإِن كَانَ مَخْلُوقًا مِن طِينٍ فَقَد حَصَلَ لَهُ بِنَفْخِ الرُّوحِ الْمُقَدَّسَةِ فِيهِ مَا شُرِّفَ بِهِ فَلِهَذَا قَالَ: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} ص: ٧٢.
(١) رواه مسلم (٢٦٩٩) بلفظ: "وَمَن بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرعْ بِهِ نَسَبُهُ".