صَرِيحُ اللَّفْظِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْخِطَابَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ، وَلِأَنَّه لَيْسَ فِي الْخِطَابِ أنَّهُ أمِرَ بالسُّؤَال مُطْلَقًا؛ بَل أُمِرَ بِهِ إنْ كَانَ عِنْدَهُ شَكٌّ، وَهَذَا لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ شَكٌّ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ النَّظَرُ أَوَّلَ وَاجِبٍ؛ بَل أَوَّلُ مَا أوْجَبَ اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم- {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}، لَمْ يَقُلْ: انْظُرْ وَاسْتَدِلَّ حَتَّى تَعْرِفَ الْخَالِقَ، وَكَذَلِكَ هُوَ أَوَّلُ مَا بَلَّغَ هَذِهِ السُّورَةَ، فَكَانَ الْمُبَلَّغُونَ مُخَاطَبِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ قَبْلَ كُلِّ شَيءٍ، وَلَمْ يُؤْمَرُوا فِيهَا بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ. ١٦/ ٣٢٤ - ٣٢٨
١٦٠٥ - أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أنَّهُ الْأَكْرَمُ بِصِيغَةِ التَّفْضِيلِ وَالتَّعْرِيفِ لَهَا {وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣)} العلق: ٣، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ الْأَكْرَمُ وَحْدَهُ، بِخِلَافِ مَا لَو قَالَ: "ورَبُّك أَكْرَمُ"، فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ. ١٦/ ٢٩٥
وَقَوْلُهُ: {الْأَكْرَمُ} يَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ، وَلَمْ يَقُلْ "الْأَكْرَمُ مِن كَذَا" بَل أَطْلَقَ الِاسْمَ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ الْأَكْرَمُ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِغَايَةِ الْكَرَمِ الَّذِي لَا شَيءَ فَوْقَهُ وَلَا نَقْصَ فِيهِ.
١٦٠٦ - قَوْلُهُ تعالى: {عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤)} العلق: ٤ يَدْخُلُ فِيهِ تَعْلِيمُ الْمَلَائِكَةِ الْكَاتِبِينَ، ويدْخُلُ فِيهِ تَعْلِيمُ كَتْبِ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ.
فَعَلَّمَ بِالْقَلَمِ أَنْ يُكْتبَ كَلَامُهُ الَّذِي أَنْزَلَهُ كَالتَّوْرَاةِ وَالْقُرْآنِ؛ بَل هُوَ كَتَبَ التَّوْرَاةَ لِمُوسَى.
وَكَوْنُ مُحَمَّدٍ كَانَ نَبِيًّا أُمِّيًّا هُوَ مِن تَمَام كَوْنِ مَا أَتَى بِهِ مُعْجِزًا خَارِقًا لِلْعَادَةِ، وَمِن تَمَامِ بَيَانِ أَنَّ تَعْلِيمَهُ أَعْظَمُ مِن كُلَّ تَعْلِيمٍ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨)} العنكبوت: ٤٨؛ فَغَيْرُهُ يُعَلِّمُ مَا كَتَبَهُ غَيْرُهُ، وَهُوَ عَلَّمَ النَّاس مَا يَكْتبونَهُ، وَعَلَّمَهُ الله ذَلِكَ بِمَا أَوْحَاهُ إلَيْهِ.