وَمَا يَجْتَمِعُ لَهُ فِي نَحْرِهِ مِن إيثَارِ اللهِ وَحُسْنِ الظَّنِّ بِهِ وَقُوَّةِ الْيَقِينِ وَالْوُثُوقِ بِمَا فِي يَدِ اللهِ أَمْرٌ عَجِيبٌ، إذَا قَارَنَ ذَلِكَ الْإِيمَانُ وَالْإِخْلَاصُ.
وَقَد امْتَثَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَمْرَ رِبِّهِ فَكَانَ كَثِيرَ الصَّلَاةِ لِرِبِّهِ كَثِيرَ النَّحْرِ حَتَّى نَحَرَ بِيَدِهِ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً وَكَانَ يَنْحَرُ فِي الْأَعْيَادِ وَغَيْرِهَا. ١٦/ ٥٢٦ - ٥٣٣
* * *
سورة الكافرون
١٦١١ - فِي سُورَةِ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١)} لِلنَّاسِ فِي وَجْهِ تَكْرِيرِ الْبَرَاءَةِ مِن الْجَانِبَيْنِ طُرُقٌ حَيْثُ قَالَ: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢)} {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣)} ثُمَّ قَالَ: {وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (٤)} {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٥)} مِنْهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهمَا كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: هَل كَرَّرَ الْكَلَامَ لِلتَّوْكِيدِ، أَو لِنَفْيِ الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ؟
قُلْت: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ تَكْرَارٌ لِلَفْظٍ بِعَيْنِهِ عَقِبَ الْأَوَّلِ قَطُّ، وَإِنَّمَا فِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ خِطَابُهُ بِذَلِكَ بَعْدَ كُلِّ آيَةٍ لَمْ يَذْكُرْ مُتَوَالِيًا، وَهَذَا النَّمَط أَرْفَعُ مِنَ الْأَوَّلِ.
وَكَذَلِكَ قَصَصُ الْقرْآنِ لَيْسَ فِيهَا تَكْرَارٌ كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُهُمْ، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١)} لَيْسَ فِيهَا لَفْظُ تَكْرَارٍ إلَّا قَوْلُة: {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣)}، وَهُوَ مَعَ الْفَصْلِ بَيْنَهمَا بِجُمْلَةٍ، وَقَد شَبَّهُوا مَا فِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ بِقَوْلِ الْقَائِلِ لِمَن أَحْسَن إلَيْهِ وَتَابَعَ عَلَيْهِ بِالْأَيَادِي وَهُوَ يُنْكِرُهَا وَيكفُرُهَا: أَلَمْ تَكُ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُك؟ أفَتُنْكِرُ هَذَا؟ أَلَمْ تَكُ عريانا فَكَسَوْتُك؟ أَفَتُنْكِرُ هَذَا؟ أَلَمْ تَكُ خَامِلًا فَعَرَّفْتُك؟ وَنَحْؤ ذَلِكَ.
وَهَذَا أَقْرَبُ مِن التَّكْرَارِ الْمُتَوَالِي كَمَا فِي الْيَمِينِ الْمُكَرَّرَةِ.
= وخشوعها وصدق التوجه فيها إلى الله تعالى: استقام حالُه، وانفرجت كُربُه، وعلت همّتُه، وتحقق ما يطمح إليه.