أَحَدُهُمَا: مِمَّا تَصِحُّ الرِّوَايَةُ بِهِ ويثْبُتُ بِهِ الِاتصَالُ.
وَالثاني: فِي التَّعْبِيرِ عَن ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنْوَاعٌ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَسْمَعَ مِن لَفْظِ الْمُحَدِّثِ، سَوَاءٌ رَآهُ أَو لَمْ يَرَة، كَمَا سَمِعَ الصَّحَابَةُ الْقُرْآنَ مِن رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَالْحَدِيثَ أَيْضًا، وَكَمَا كَانَ يَقْرَؤهُ عَلَيْهِم، وَقَرَأَ عَلَى أُبَيّ (سُورَةَ لَمْ يَكُن)، فَإِنَّ هَذَا لَمْ يُفَرِّق النَّاسُ بَيْنَهُمَا.
وَالئوْعُ الثانِي: أَنْ يَقْرَأَ عَلَى الْمُحَدِّثِ فَيُقِرُّ بِهِ، كَمَا يَقْرأ الْمُتَعَلِّمُ الْقُرْآنَ عَلَى الْمُعَلِّمِ، وَيُسَمِّيه الْحِجَازُّيونَ الْعَرْضَ؛ لِأَنَّ الْمُتَحَمِّلَ يَعْرِضُ الْحَدِيثَ عَلَى الْمُحَمِّلِ. فَيَقُولُ: نَعَمْ، وَهَذَا عِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَجُمْهُورِ السَّلَفِ كَاللَّفْظِ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: الْمنَاوَلَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ: وَكِلَاهُمَا إنَّمَا أَعْطَاهُ كِتَابًا لَا خِطَابًا، لَكِنِ الْمُنَاوَلَةُ مُبَاشِرَة وَالْمُكَاتبَةُ بِوَاسِطَةِ.
الرَّابعُ: الْإِجَازَةُ، فَإِذَا كَانَت لِشَيء مُعَيَّنٍ قَد عَرَفَهُ الْمُجِيزُ فَهِيَ كَالْمُنَاوَلَةِ، وَهِيَ: عَرْضُ الْعَرْضِ؛ فَإِنَّ الْعَارِضَ تَكَلَّم بِالْمَعْرُوضِ مُفَصَّلًا فَقَالَ الشَّيْخُ: نَعَمْ، وَالْمُسْتَجِيزُ (١) قَالَ: أَجَزْتَ لِي أَنْ أحَدِّثَ بِمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ؟ فَقَالَ الْمُجِيزُ: نَعَمْ. ١٨/ ٢٨ - ٣٥
١٦٤٠ - الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ: أَنَّ الْمُتَوَاتِرَ لَيْسَ لَهُ عَدَدٌ مَحْصُورٌ بَل إذَا حَصَلَ الْعِلْمُ عَن إخْبَارِ الْمُخْبِرِينَ كَانَ الْخَبَرُ مُتَوَاتِرًا، وَكَذَلِكَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الْعِلْمَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمُخْبِرِينَ بِهِ، فَرُبَّ عَدَدٍ قَلِيلٍ أَفَادَ خَبَرُهُم الْعِلْمَ بِمَا يُوجِبُ صِدْقَهُمْ، وَأَضْعَافُهُم لَا يُفِيدُ خَبَرُهُم الْعِلْمَ؛ وَلهَذَا كَانَ الصَّحِيحُ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ قَد يُفِيدُ الْعِلْمَ إذَا احْتَفتْ بِهِ قَرَائِنُ تُفِيدُ الْعِلْمَ.
وَعَلَى هَذَا فَكَثِيرٌ مِن مُتُونِ الصَّحِيحَيْنِ مُتَوَاتِرُ اللَّفْظِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، وإن لَمْ يَعْرِفْ غَيْرُهُم أَنَّهُ مُتَوَاتِرٌ؛ وَلهَذَا كَانَ أَكْثَرُ مُتُونِ الصَّحِيحَيْنِ
(١) أي: طالب الإجازة.