١٦٥٢ - قَوْلُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "بَدَأَ الاسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأ فَطوبى لِلْغُرَبَاءِ" (١): يَحْتَمِلُ شَيْئَيْنِ:
أحدُهُمَا: أَنَّهُ فِي أَمْكِنَةٍ وَأَزْمِنَةٍ يَعُودُ غَرِيبًا بَيْنَهُمْ، ثُمَّ يَظْهَرُ، كَمَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ غَرِيبًا ثُمَّ ظَهَرَ.
ويحْتَمِلُ أَنَّهُ فِي آخِرِ الدُّنْيَا لَا يَبْقَى مُسْلِمًا إلَّا قَلِيلٌ، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الدَّجَّالِ ويأجُوجَ وَمَأجُوجَ عِنْدَ قُرْبِ السَّاعَةِ، وَحِينَئِذٍ يَبْعَثُ اللهُ رِيحًا تَقْبِضُ رُوحَ كُل مُؤمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ ثُمَّ تَقُومُ الْقِيَامَةُ.
وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَقَد قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِن أُمَّتي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَق لَا يَضُرُّهُم مَن خَالَفَهُم وَلَا مَن خَذَلَهُم حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ" (٢).
وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" وَمِثْلُهُ مِن عِدَّةِ أَوْجُهٍ.
فَقَد أَخْبَرَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ أَنَّهُ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مُمْتَنِعَةٌ مِن أمَّتِهِ عَلَى الْحَقّ، اعِزَّاءٌ لَا يَضُرُّهُم الْمُخَالِفُ وَلَا خِلَافُ الْخَاذِلِ.
فَأَمَّا بَقَاءُ الْإِسْلَام غَرِيبًا ذَلِيلًا فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا قَبْلَ السَّاعَةِ فَلَا يَكونُ هَذَا (٣).
وَهَذَا الْحَدِيثُ يُفِيدُ الْمُسْلِمَ أَنَّهُ لَا يَغْتَمُّ بِقِلَّةِ مَن يَعْرِفُ حَقِيقَةَ الْإِسْلَامِ، وَلَا يَضِيقُ صَدْرُهُ بِذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ فِي شَكٍّ مِن دِينِ الْإِسْلَامِ، كَمَا كَانَ الْأمْرُ حِينَ بَدَأَ.
وَكَذَلِكَ إذَا تَغَرَّبَ يَحْتَاجُ صَاحِبُهُ مِنَ الْأَدِلَّةِ وَالْبَرَاهِينِ إلَى نَظِيرِ مَا احْتَاجَ
(١) رواه مسلم (١٤٥).
(٢) رواه مسلم (١٩٢٠).
(٣) وفي هذا أكبر ردّ على الغلاة والمتشددين في هذا الزمان، ممن يرى أن الإسلام غريب في جميع بقاع الأرض، وأنهم هم الذين سيُزيلون غُرْبتَه، ويُعيدون عزته، فأدى بهم ذلك إلى أنْ خرجوا على جماعة المسلمين بالسيف واللسان، وقاتلوا كل من وقف في طريقهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.