وَتَحْسِينُ التِّرْمِذِيِّ أَحْيَانًا يَكُونُ مِثْل تَصْحِيحِهِ أَو أَرْجَحَ، وَكَثِيرًا مَا يُصَحِّحُ الْحَاكِمُ أَحَادِيثَ يُجْزَمُ بِأَنَّهَا مَوْضُوعَة لَا أَصْلَ لَهَا. ٢٢/ ٤٢٦
١٦٧١ - أهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ لَا يَعْتَمِدُونَ عَلَى مُجَرَّدِ تَصْحِيحِ الْحَاكِمِ، وإن كَانَ غَالِبُ مَا يُصَحِّحُهُ فَهُوَ صَحِيحٌ، لَكِنْ هُوَ فِي الْمُصَحِّحِينَ بِمَنْزِلَةِ الثِّقَةِ الَّذِي يَكْثُرُ غَلَطُهُ، وَإِن كَانَ الصَّوَابُ أَغْلَبَ عَلَيْهِ.
وَلَيْسَ فِيمَن يُصَحِّحُ الْحَدِيثَ أَضْعَفُ مِن تَصْحِيحِهِ، بِخِلَافِ أَبِي حَاتِمِ ابْنِ حِبَّانَ البستي، فَإنَّ تَصْحِيحَهُ فَوْقَ تَصْحِيحِ الْحَاكِمِ وَأَجَلُّ قَدْرًا، وَكَذَلِكَ تَصْحِيحُ التِّرْمِذِيِّ وَالدَّارَقُطْنِي وَابْنِ خُزَيْمَة وَابْنِ منده وَأَمْثَالِهِمْ فِيمَن يُصَحِّحُ الْحَدِيثَ.
فَإِنَّ هَؤُلَاءِ وَإِن كَانَ فِي بَعْضِ مَا يَنْقُلُونَهُ نِزَاعٌ: فَهُم أتقن فِي هَذَا الْبَابِ مِن الْحَاكِمِ، وَلَا يَبْلُغُ تَصْحِيحُ الْوَاحِدِ مِن هَؤُلَاءِ مَبْلَغَ تَصْحِيحِ مُسْلِمٍ، وَلَا يَبْلُغُ تَصْحِيحُ مُسْلِمٍ مَبْلَغَ تَصْحِيحِ الْبُخَارِيِّ؛ بَل كِتَابُ الْبُخَارِيِّ أَجَلُّ مَا صُنِّفَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَالْبُخَارِيُّ مِن أَعْرَفِ خَلْقِ اللهِ بِالْحَدِيثِ وَعِلَلِهِ مَعَ فِقْهِهِ فِيهِ، وَقَد ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَرَ أَحَدًا أَعْلَم بِالْعِلَلِ مِنْهُ، وَلهَذَا كَانَ مِن عَادَةِ الْبُخَارِيِّ إذَا رَوَى حَدِيثًا اُخْتُلِفَ فِي إسْنَادِهِ أَو فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ أَنْ يَذْكُرَ الِاخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِذِكْرِهِ لَهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ مَقْرُونًا بِالِاخْتِلَافِ فِيهِ.
وَلهَذَا كَانَ جُمْهُورُ مَا انْكِرَ عَلَى الْبُخَارِيِّ مِمَّا صَحَّحَهُ يَكُونُ قَوْلُهُ فِيهِ رَاجِحًا عَلَى قَوْلِ مَن نَازَعَهُ، بِخِلَافِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ فَإِنَّهُ نُوزعَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ مِمَّا خَرَّجَهَا، وَكَانَ الصَّوَابُ فِيهَا مَعَ مَن نَازَعَهُ، كَمَا رَوَى فِي حَدِيثِ الْكسُوفِ أَنَّ النَبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- صَلَّى بِثَلَاثِ ركوعات وَبِأَرْبَعِ ركوعات، كَمَا رَوَى أَنَّهُ صَلَّى بِرُكُوعَيْنِ، وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ إلَّا بِرُكُوعَيْنِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْكُسُوفَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً يَوْمَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ.
وَلَكِنَّ جُمْهُورَ مُتُونِ "الصَّحِيحَيْنِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، تَلَقَّوْهَا بِالْقَبُولِ، وَأَجْمَعُوا عَلَيْهَا، وَهُم يَعْلَمُونَ عِلْمًا قَطْعِيًّا أَنَّ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَهَا. ١/ ٢٥٥ - ٢٥٧