أَبِي صَالِحٍ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يَكْتُبُ حَدِيثَهُ وَلَا يَحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ تَفْسِيرٌ وَمَا أَقَلَّ مَا لَهُ فِي الْمُسْنَدِ، وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِن الْمُتَقَدِّمِينَ رَضِيَهُ.
قُلْت: الْجَوَابُ عَلَى هَذَا مِن وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: كُلٌّ مِن الرَّجُلَيْنِ قَد عَدَّلَهُ طَائِفَةٌ مِن الْعُلَمَاءِ كَمَا جَرَّحَهُ آخَرُونَ، أَمَّا عُمَرُ فَقَد قَالَ فِيهِ أَحْمَد بْنُ عَبْدِ اللهِ العجلي: لَيْسَ بِهِ بَأسٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِهِ بَأسٌ، وَابْنُ مَعِينن وَأَبُو حَاتِمٍ مِن أَصْعَبِ النَّاسِ تَزْكِيَة.
وَأَمَّا قَوْلُ مَن قَالَ: تَرَكَهُ شُعْبَة، فَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ، كَمَا قَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَل: لَمْ يَسْمَعْ شُعْبَةُ مِن عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ شَيْئًا، وَشُعْبَةُ ويحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيِّ وَمَالِكٌ وَنَحْوُهُم قَد كَانُوا يَتْرُكُونَ الْحَدِيثَ عَن أُنَاسٍ لِنَوْعِ شُبْهَةٍ بَلَغَتْهُم لَا تُوجِبُ رَدَّ أَخْبَارِهِمْ، فَهُم إذَا رَوَوْا عَن شَخْصٍ كَانَت رِوَايَتُهُم تَعْدِيلًا لَهُ.
وَأَمَّا تَرْكُ الرِّوَايَةِ فَقَد يَكُونُ لِشُبْهَةٍ لَا تُوجِبُ الْجَرْحَ، وَهَذَا مَعْرُوفٌ فِي غَيْر وَاحِدٍ قَد خُرِّجَ لَهُ فِي الصَّحِيحِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَن قَالَ: "لَيْسَ بِقَوِيٍّ فِي الْحَدِيثِ" عِبَارَةٌ لَيِّنَةٌ تَقْتَضِي أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ فِي حِفْظِهِ بَعْضُ التَّغَيُّرِ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ لَا تَقْتَضِي عِنْدَهُم تَعَمُّدَ الْكذِبِ وَلَا مُبَالَغَةً فِي الْغَلَطِ.
وَأَمَّا أَبُو صَالِحٍ: فَقَد قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ: لَمْ أَرَ أَحَدًا مِن أَصْحَابِنَا تَرَكَ أَبَا صَالِحٍ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ، وَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا مِن النَّاسِ يَقُولُ فِيهِ شَيْئًا، وَلَمْ يَتْرُكْهُ شُعْبَةُ وَلَا زَائِدَةُ، فَهَذِهِ رِوَايَةُ شُعْبَةَ عَنْهُ تَعْدِيلٌ لَهُ كَمَا عُرِفَ مِن عَادَةِ شعْبَةَ، وَتَرْكُ ابْنُ مَهْدِيٍّ لَهُ لَا يُعَارِضُ ذَلِكَ، فَإنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ أَعْلَمُ بِالْعِلَلِ وَالرِّجَالِ مِن ابْنِ مَهْدِيٍّ، فَإِنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ شُعْبَةَ ويحْيَى بْنَ سَعِيدٍ أَعْلَمُ بِالرِّجَالِ مِن ابْنِ مَهْدِيٍّ وَأَمْثَالِهِ.