كَانَ مَشْهُورًا فِي ذَلِكَ فَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ مِن أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ يُجَوِّزُ تَعْلِيلَ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِين يَمْنَعُ ذَلِكَ.
فَالنِّزَاعُ فِي ذَلِكَ يَعُودُ إلَى نِزَاعٍ تَنَوُّعِيٍّ، وَنِزَاعٍ فِي الْعِبَارَةِ، وَلَيْسَ بِنِزَاعِ تَنَاقُضٍ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ النّزَاعُ فِي تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ. ٢٠/ ١٦٧
١٨٦٩ - الْمُتَكلِّمُ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ لَا بُدَّ أَنْ يَقُومَ بِقَلْبِهِ مَعْنًى عَامٌّ؛ فَإِنَّ اللَّفْظَ لَا بُدَّ لَهُ مِن مَعْنًى.
وَمَن قَالَ: الْعُمُومُ مِن عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ دُونَ الْمَعَانِي: فَمَا أَرَادَ- وَاللهُ أَعْلَم- إلَّا الْمَعَانِيَ الْخَارِجَةَ عَنِ الذِّهْنِ؛ كَالْعَطَاءِ وَالْمَطَرِ، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ مَرْجُوحٌ.
ثُمَّ إنَ ذَلِكَ الْحُكْمَ يَتَخَلَّفُ عَن بَعْضِ تِلْكَ الْاَحَادِ لِمُعَارِض؛ مِثْل أَنْ يَقُولَ: أَعْطِ لِكُلِّ فَقِيرٍ دِرْهَمًا، فَإِذَا قِيلَ لَهُ: فَإِنْ كَانَ كَافِرًا أَو عَدُوًّا؟ فَقَدَ يَنْهَى عَنِ الْإِعْطَاءِ. ٢٠/ ١٨٨ - ١٨٩
١٨٧٠ - مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ النبوِيَّةِ- دَارِ السُّنَّةِ وَدَارِ الْهِجْرَةِ وَدَارِ النُّصْرَةِ إذ فِيهَا سَنَّ اللهُ لِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - سُنَنَ الْإِسْلَامِ وَشَرَائِعَهُ وَإِلَيْهَا هَاجَرَ الْمُهَاجِرُونَ إلَى اللهِ وَرَسُولِهِ وَبِهَا كَانَ الْأَنْصَارُ الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ- مَذْهَبُهُم فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ أَصَحُّ مَذَاهِبِ أَهْلِ الْمَدَائِنِ الْإِسْلَامِيَّةِ شَرْقًا وَغَرْبًا؛ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ.
وَهَذِهِ الْأَعْصَارُ الثَّلَاثَة هِيَ أَعْصَارُ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ الْمُفَضَّلَةِ الَّتِي قَالَ فِيهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ خَيْرَكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُم قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، ويخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيُنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ، وَيظْهَرُ فِيهِم السِّمَنُ" (١).
(١) رواه مسلم (٢٥٣٥).