قَاعِدَةُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالنَّجَاسَاتِ فِي الْمِيَاهِ فَإِنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ اللّهُ تَعَالَى أَحَلَّ صلنا الطَّيباتِ وَحَرَّمَ عَلَيْنَا الْخَبَائِثَ، وَالْخَبَائِثُ نَوْعَانِ:
أ- مَا خُبْثُهُ لِعَيْنِهِ لِمَعْنًى قَامَ بِهِ؛ كَالدَّمِ وَالْمَيْتَةِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ.
ب- وَمَا خبْثُهُ لِكسْبِهِ؛ كَالْمَأْخُوذِ ظُلْمًا، أَو بِعَقْدٍ مُحَرَّمٍ كَالرِّبَا وَالْمَيْسِرِ.
فَأَمّا الْأوَّلُ: فَكُلّ مَا حَرُمَ مُلَابَسَتُهُ كَالنَّجَاسَاتِ حَرُمَ أَكْلُهُ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا حَرُمَ أَكْلُهُ حَرُمَتْ مُلَابَسَتُهُ كَالسُّمُومِ، وَاللهُ قَد حَرَّمَ عَلَيْنَا أَشْيَاءَ مِنَ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ مِنَ الْمَلَابِسِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي الْأَشْرِبَةِ أَشَدُّ مِن مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ؛ فَإِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ وَسَائِرَ الْأَمْصَارِ وَفُقَهَاءَ الْحَدِيثِ يُحَرِّمُونَ كُلَّ مُسْكِرٍ، وَإِنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَحَرَامٌ، وَإِنَّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَائم. وَالْكُوفِيُّونَ لَا خَمْرَ عِنْدَهُم إلَّا مَا اشْتَدَّ مِن عَصِيرِ الْعِنَبِ، فَإِنْ طُبخَ قَبْلَ الِاشْتِدَادِ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ حَلَّ، وَنَبِيذُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ مُحَرَّمٌ إذَا كَانَ مُسْكِرًا نَيِّئًا، فَإِنْ طُبِخَ أَدْنَى طَبْخٍ حَلَّ وَإِن أَسْكَرَ، وَسَائِرُ الْأَنْبِذَةِ تَحِلُّ وَإِن أَسْكَرَتْ، لَكِنْ يُحَرِّمُونَ الْمُسْكِرَ مِنْهَا.
وَأَمَّا الْأَطْعِمَةُ فَأَهْلُ الْكُوفَةِ أَشَدُّ فِيهَا مِن أَهْلِ الْمَدِينَةِ؛ فَإِنَّهُم مَعَ تَحْرِيمِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ، وَتَحْرِيمِ اللَّحْم حَتَّى يُحَرِّمُونَ الضَّبَّ وَالضَّبُعَ، وَالْخَيْلُ تَحْرُمُ عِنْدَهُم فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَمَالِكٌ يُحَرِّمُ تَحْرِيمًا جَازِمًا مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ، فَذَوَاتُ الأنْيَابِ إمَّا أَنْ يُحَرِّمَهَا تَحْرِيمًا دُونَ ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ يَكْرَهَهَا فِي الْمَشْهُورِ، وَرُوِيَ عَنْهُ كَرَاهَةُ ذَوَاتِ الْمَخَالِبِ، وَالطَّيْرُ لَا يُحَرِّمُ مِنْهَا شَيْئًا وَلَا يَكْرَهُهُ، وَإِن كَانَ التَّحْرِيمُ عَلَى مَرَاتِبَ، وَالْخَيْلُ يَكْرَهُهَا، وَرُوَيتِ الْإِبَاحَةُ وَالتَّحْرِيمُ أَيْضًا.
وَمَن تَدَبَّرَ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ فِي هَذَا الْبَاب عَلِمَ أَنَّ أهْلَ الْمَدِينَةِ أَتْبَعُ لِلسُّنَّةِ، فَإِنَّ بَابَ الْأَشْرِبَةِ قَد ثَبَتَ فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلَّمَ مِنَ الْأَحَادِيثِ مَا يَعْلَمُ مَن عَلِمَهَا أَنَّهَا مِن أَبْلَغِ الْمُتَوَاتِرَاتِ. وَأَمَّا الْأَطْعِمَةُ فَإِنَّهُ وإِن