وَالثَّالِثُ: يَكُونُ رَجْعَةً مَعَ النِّيَّةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ مَالِكٍ، وَهُوَ أَعْدَلُ الْأقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد.
وَأَمَّا الْعُقُوبَاتُ وَالْأَحْكَامُ فَمَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَرْجَحُ مِن مَذْهَبِ أَهْلِ الْكُوفَةِ مِن وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُم يُوجِبُونَ الْقَوَدَ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ كَمَا جَاءَت بِذَلِكَ السُّنَّةُ وَكَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْأُصُولُ.
وَمِن ذَلِكَ: مَسْأَلَةُ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ، وَالذّميِّ وَالْحُرِّ بِالْعَبْدِ: لِلنَّاسِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: يُقْتَلُ بِهِ بِكُلِّ حَالٍ؛ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ.
وَالثَّانِي: لَا يُقْتَلُ بِهِ بِحَالٍ؛ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ.
وَالثَّالِثُ: لَا يُقْتَلُ بِهِ إلَّا فِي الْمُحَارَبَةِ (١)، فَإِنَّ الْقَتْلَ فِيهَا حَدٌّ؛ لِعُمُومِ الْمَصْلَحَةِ، فَلَا تَتَعَيَّنُ فِيهِ الْمُكَافَأَةُ؛ بَل يُقْتَلُ فِيهِ الْحُرُّ وَإِن كَانَ الْمَقْتُولُ عَبْدًا، وَالْمُسْلِمُ وَإِن كَانَ الْمَقْتُولُ ذِمِّيًّا.
وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ لِأَحْمَدَ وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ، وَفِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْآثَارِ الْمَنْقُولَةِ فِي هَذَا الْبَابِ أَيْضًا.
وَمَذْهَبُ مَالِكٍ فِي الْمُحَارِبِينَ وَغَيْرِهِمْ إجْرَاءُ الْحُكْمِ عَلَى الرِّدْءِ وَالْمُبَاشِرِ، كَمَا اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى مِثْل ذَلِكَ فِي الْجِهَادِ.
وَمِن ذَلِكَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَتَّبِعُونَ مَا خَطَبَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَيْثُ قَالَ: "الرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللهِ حَقٌّ عَلَى كُل مَن زَنَى مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إذَا أُحْصِنَّ وَقَامَتِ الْبَيِّنَةُ، أَو كَانَ الْحَبَلُ، أَو الِاعْتِرَافُ " (٢).
كَذَلِكَ يَحُدُّونَ فِي الْخَمْرِ بِمَا إذَا وُجِدَ سكرانًا، أَو تَقَيَّأَ، أَو وُجِدَتْ مِنْهُ
(١) أي: إذا كان القاتل مُحاربًا، وهو بمعنى قاطع الطريق.
(٢) البخاري (٦٨٣٠)، ومسلم (١٦٩١).