وَأَمَّا رَدُّ النَّصِّ بِمُجَرَّدِ الْعَمَلِ فَهَذَا بَاطِلٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ، وَقَد تَنَازَعَ النَّاسُ فِي مُخَالِفِ الْإِجْمَاعِ: هَل يَكْفُرُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ.
وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمَعْلُومَ يَكْفُرُ مُخَالِفُهُ كَمَا يَكْفُرُ مُخَالِفُ النَّصِّ بِتَرْكِهِ، لَكِنَّ هَذَا (١) لَا يَكُونُ إلَّا فِيمَا عُلِمَ ثُبُوتُ النَّصِّ بِهِ.
وَأَمَّا الْعِلْمُ بِثُبُوتِ الْإِجْمَاعِ فِي مَسْأَلَةٍ لَا نَصَّ فَهَذَا لَا يَقَعُ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَعْلُومِ فَيَمْتَنِعُ تَكْفِيرُهُ.
وَحِينَئِذٍ فَالْإِجْمَاعُ مَعَ النَّصِّ دَلِيلَانِ كَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
وَتَنَازَعُوا فِي الْإِجْمَاعِ: هَل هُوَ حُجَّة قَطْعِيَّة أَو ظَنِّيَّةٌ؟
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ قَطْعِيَّهُ قَطْعِيٌّ وَظَنِّيَّةُ ظَنِّيٌّ وَاللهُ أَعْلَمُ.
وإِذَا نَقَلَ عَالِمٌ الْإجْمَاعَ وَنَقَلَ آخَرُ النِّزَاعَ؛ إمَّا نَقْلًا سُمِّيَ قَائِلُهُ؛ وَإِمَّا نَقْلًا بِخِلَافٍ مُطْلَقًا وَلَمْ يُسَمَّ قَائِلُهُ: فَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ نَقْلًا لِخِلَافٍ لَمْ يَثْبُتْ؛ فَإِنَّهُ مُقَابَلٌ بِأَنْ يُقَالَ: وَلَا يَثْبُتُ نَقْلُ الْإِجْمَاعِ؛ بَل نَاقِلُ الْإِجْمَاعِ نَافٍ لِلْخِلَافِ، وَهَذَا مُثْبِتٌ لَهُ، وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي.
وَإِذَا قِيلَ: يَجُوزُ فِي نَاقِلِ النّزَاعِ أَنْ يَكُونَ قَد غَلِطَ فِيمَا أَثْبَتَهُ مِنَ الْخِلَافِ.
قِيلَ لَهُ: وَنَافِي النِّزَاعِ غَلَطُهُ أجوز؛ فَإِنَّهُ قَد يَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ لَمْ تَبْلُغْهُ، أَو بَلَغَتْهُ وَظَنَّ ضَعْفَ إسْنَادِهَا وَكَانَت صَحِيحَةً عِنْدَ غَيْرِهِ، أَو ظَنَّ عَدَمَ الدَّلَالَةِ وَكَانَت دَالًةً.
فَإِنَّ عَدَمَ الْعِلْمِ لَيْسَ عِلْمًا بِالْعَدَمِ، لَا سِيَّمَا فِي أَقْوَالِ عُلَمَاءِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - الَّتِي لَا يُحْصِيهَا إلَّا رَبُّ الْعَالَمِينَ؛ وَلهَذَا قَالَ أَحْمَد وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ: مَنِ ادَّعَى الْإجْمَاعَ فَقَد كَذَبَ، هَذِهِ دَعْوَى الْمَرِيسِيِّ وَالْأَصَمِّ، وَلَكِنْ يَقُولُ: لَا أَعْلَمُ نِزَاعًا.
(١) أي: كفرُ مَنْ خالف النص.