وإذَا كَانَ أَقْوَامٌ لَيْسُوا مُنَافِقِينَ لَكِنَّهُم سَمَّاعُونَ لِلْمُنَافِقِينَ، قَد الْتَبَسَ عَلَيْهِم أَمْرُهُم حَتى ظَنُّوا قَوْلَهُم حَقًّا؛ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْكِتَاب وَصَارُوا دُعَاةً إلَى بِدَع الْمُنَافِقِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} التوبة: ٤٧: فَلَا بُدَّ أَيْضًا مِن بَيَانِ حَالِ هَؤُلَاءِ؛ بَل الْفِتْنَةُ بِحَالِ هَؤُلَاءِ أَعْظَمُ؛ فَإِنَّ فِيهِمْ إيمَانًا يُوجِبُ مُوَالَاتَهُمْ، وَقَد دَخَلُوا فِي بِدَعٍ مِن بِدَعِ الْمُنَافِقِينَ الَّتِي تُفْسِدُ الدِّينَ، فَلَا بُدَّ مِن التَّحْذِيرِ مِن تِلْكَ الْبِدَعِ وَإِن اقْتَضَى ذَلِكَ ذِكْرَهُم وَتَعْيِينَهُمْ (١).
بَل وَلَو لَمْ يَكُن قَد تَلَقَّوْا تِلْكَ الْبِدْعَةَ عَن مُنَافِقٍ، لَكِنْ قَالُوهَا ظَانِّينَ أَنَّهَا هُدًى وَأنَّهَا خَيْرٌ وَأَنَّهَا دِينٌ، وَلَمْ تكُنْ كَذَلِكَ لَوَجَبَ بَيَانُ حَالِهَا.
وَلهَذَا وَجَبَ بَيَانُ حَالِ مَن يَغْلَطُ فِي الْحَدِيثِ وَالرِّوَايَةِ، وَمَن يَغْلَطُ فِي الرّأْيِ وَالْفُتْيَا، وَمَن يَغْلَطُ فِي الزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ، وَإِن كَانَ الْمُخْطِئُ الْمُجْتَهِدُ مَغْفُورًا لَهُ خَطَؤُهُ، وَهُوَ مَأْجُورٌ عَلَى اجْتِهَادِهِ.
فَبَيَانُ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَاجِبٌ، وَإِن كَانَ فِي ذَلِكَ مُخَالَفَةٌ لِقَوْلِهِ وَعَمَلِهِ.
وَمَن عُلِمَ مِنْهُ الِاجْتِهَادُ السَّائِغُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُذْكَرُ عَلَى وَجْهِ الذَّمِّ وَالتَّأْثِيمِ لَهُ؛ فَإِنَّ اللهَ غَفَرَ لَهُ خَطَأَهُ؛ بَل يَجِبُ لِمَا فِيهِ مِن الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى: مُوَالَاتُهُ وَمَحَبَّتُهُ وَالْقِيَامُ بِمَا أَوْجَبَ اللهُ مِن حُقُوقِهِ مِن ثنَاءٍ وَدُعَاءٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَإِن عُلِمَ مِنْهُ النِّفَاقُ، كَمَا عُرِفَ نِفَاقُ جَمَاعَةٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبي وَذَوِيهِ، وَكَمَا عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ نِفَاقَ سَائِرِ الرَّافِضَةِ: عَبْدِ اللهِ بْنِ سَبَأٍ وَأَمْثَالِهِ؛ مِثْل عَبْدِ الْقُدُّوسِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَمُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَصْلُوبِ: فَهَذَا يُذْكَرُ بِالنِّفَاقِ.
(١) بأسمائهم، ولكن لا يعني ذلك أن نذكرهم على وجه الذم لذواتهم، إلا إذا كثر ذلك منهم، وعُرف عنهم مُحاربة السُّنَّة ونصرة البدعة.