وَقَد ثَبَتَ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" عَن أَبِي هُرَيْرَةَ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَنَّ اللهَ تَعَالَى فَالَ: قَد فَعَلْت".
وَأَيْضًا: فَقَد ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ اللهَ يُخْرِجُ مِن النَّارِ مَن كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ دِينَارٍ مِن إيمَانٍ" (١).
وَأَيْضًا فَإِنَّ السَّلَفَ أَخْطَأَ كَثِيرٌ مِنْهُم فِي كَثِيرٍ مِن هَذِهِ الْمَسَائِلِ (٢)، وَاتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ التَّكْفِيرِ بِذَلِكَ، مِثْلُ مَا أَنْكَرَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ يَسْمَعُ نِدَاءَ الْحَيِّ (٣)، وَأَنْكَرَ بَعْضُهُم أَنْ يَكُونَ الْمِعْرَاجُ يَقَظَةً، وَأَنْكَرَ بَعْضُهُم رُؤَيةَ مُحَمَّدٍ رَبَّهُ.
وَلبَعْضهِمْ فِي الْخِلَافَةِ وَالتَّفْضِيلِ كَلَامٌ مَعْرُوفٌ.
وَكَذَلِكَ لِبَعْضِهِمْ فِي قِتَالِ بَعْضٍ، وَلَعْنِ بَعْضٍ، وَإِطْلَاقِ تَكْفِيرِ بَعْضِ أَقْوَالٍ مَعْرُوفَةٍ.
وَكَانَ الْقَاضِي شريح يُنْكِرُ قِرَاءَةَ مَن قَرَأَ: {بَلْ عَجِبْتَ} (٤) ويقُولُ: إنَّ اللهَ لَا يَعْجَبُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِي فَقَالَ: إنَّمَا شريحٌ شَاعِر يُعْجِبُهُ عِلْمُهُ، كَانَ عَبْد الله أَفْقَه مِنْهُ فَكَانَ يَقُولُ: {بَلْ عَجِبْتَ}.
فَهَذَا قَد أَنْكَرَ قِرَاءَةً ثَابِتَةً، وَأَنْكَرَ صِفَةً دَلَّ عَلَيْهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَاتَّفَقَت الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ إمَامٌ مِن الْأَئِمَّةِ.
وَكَذَلِكَ بَعْضُ السَّلَفِ أَنْكَرَ بَعْضُهُم حُرُوفَ الْقُرْآنِ مِثْل إنْكَارِ بَعْضِهِمْ
(١) البخاري (٧٤٣٩).
(٢) أي: المسائل العلمية الخبرية.
(٣) يقصد عائشة -رضي الله عنها- وغيرها، فقد روى البخاري عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "وقف النبي -صلى الله عليه وسلم- على قَليب بدرٍ فقال: "هل وَجدتم ما وَعد ربُّكم حقًّا؟ " ثم قال: "إنهم الآن يَسمعون ما أقولُ"، فذُكِر لعائشة فقالت: إنما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنهم الآن يعلمون أن الذي كنتُ أقول لهم هو الحق" ثم قرأت: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} النمل: ٨٠ حتى قرأت الآية".
(٤) الصافات: ١٢، وعجبت، بالضم والفتح كلاهما قراءتان صحيحتان، وبالضم قرأ حمزة والكسائي.