فَلَمْ يَصْدُرْ عَنْهُم مِن الِاجْتِهَادِ وَالْقَصْدِ مَا يَقْتَضِي مَغْفِرَةَ مَا لَمْ يَعْلَمُوهُ فَكَانُوا ظَالِمِينَ شَبِيهًا بِالْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ، أو جَاهِلِينَ شَبِيهًا بِالضَّالِّينَ.
فَالْمُجْتَهِدُ الِاجْتِهَادَ الْعِلْمِيَّ الْمَحْضَ: لَيْسَ لَهُ غَرَضٌ سِوَى الْحَقِّ، وَقَد سَلَكَ طَرِيقَهُ، وَأَمَّا مُتَّبعُ الْهَوَى الْمَحْضِ: فَهُوَ مَن يَعْلَمُ الْحَقَّ وَيُعَانِدُ عَنْهُ.
وَثَمَّ قِسْمٌ آخَرُ -وَهُوَ غَالِبُ النَّاسِ-: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ هَوًى فِيهِ شُبْهَةٌ، فَتَجْتَمِعُ الشَّهْوَةُ وَالشُبْهَةُ.
فَالْمُجْتَهِدُ الْمَحْضُ مَغْفُورٌ لَهُ وَمَأجُورٌ.
وَصَاحِبُ الْهَوَى الْمَحْضِ مُسْتَوْجِبٌ لِلْعَذَابِ.
وَأَمَّا الْمُجْتَهِدُ الِاجْتِهَادَ الْمُرَكَّبَ مِن شُبْهَةٍ وَهَوًى: فَهُوَ مُسِيءٌ، وَهُم فِي ذَلِكَ عَلَى دَرَجَاتٍ حَسَبَ مَا يَغْلِبُ، وَبِحَسَبِ الْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ. ٢٩/ ٤٣ - ٤٤
٢٠٥٩ - من أصل الإمام أحمد الذي لا خلاف عنه فيه: أنه لا يجوز الخروج عن أقوال الصحابة، ولا يجوز ترك الحديث الصحيح من غير معارض له من جنسه، وكان رحمه الله شديد الإنكار على من يخالف ذلك. المستدرك ٤/ ٢٠٣
* * *
ضوابط الإنكار في مسائل الاجتهاد
٢٠٦٠ - لَيْسَ لِمَن رَجَّحَ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى صَاحِبِ الْقَوْلِ الْآخَرِ إلَّا بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ.
فَمَن صَارَ إلَى قَوْلٍ مُقَلِّدًا لِقَائِلِهِ: لَمْ يَكُن لَهُ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى مَن صَارَ إلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ مُقَلِّدًا لِقَائِلِهِ، لَكِنْ إنْ كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا حجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ وَجَبَ الِانْقِيَادُ لِلْحُجَجِ الشَّرْعِيَّةِ إذَا ظَهَرَتْ.
وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُرجِّح قَوْلًا عَلَى قَوْلٍ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَلَا يَتَعَصَّبُ لِقَوْلٍ عَلَى قَوْلٍ، وَلَا لقَائِلٍ عَلَى قَائِلٍ بِغَيْرِ حُجَّةٍ؛ بَل مَن كَانَ مُقَلِّدًا لَزِمَ حُكْمَ