التَّقْلِيدَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ وَيُحَرِّمُونَ الِاجْتِهَادَ، وَأَنَّ الِاجْتِهَادَ جَائِزٌ لِلْقَادِرِ عَلَى الِاجْتِهَادِ، وَالتَّقْلِيدَ جَائِز لِلْعَاجِزِ عَنِ الِاجْتِهَادِ.
فَأَمَّا الْقَادِرُ عَلَى الِاجْتِهَادِ فَهَل يَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ؟
هَذَا فِيهِ خِلَافٌ، وَالصَّحِيح: أَنَّهُ يَجُوزُ حَيْثُ عَجَزَ عَنِ الِاجْتِهَادِ:
أ- إمَا لِتَكَافُؤِ الْأَدِلَّةِ.
ب- وَإِمَّا لِضِيقِ الْوَقْتِ عَنِ الِاجْتِهَادِ.
ج- وَإِمَّا لِعَدَمِ ظُهُورِ دَلِيل لَهُ (١).
فَإِنَّهُ حَيْثُ عَجَزَ: سَقَطَ عَنْهُ وُجُوبُ مَا عَجَزَ عَنْهُ وَانْتَقَلَ إلَى بَدَلِهِ وَهُوَ التَّقْلِيدُ، كَمَا لَو عَجَزَ عَنِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ.
وَكَذَلِكَ الْعَامِّيُّ إذَا أَمْكَنَهُ الِاجْتِهَادُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ جَازَ لَهُ الِاجْتِهَادُ، فَإِنَّ الِاجْتِهَادَ مُنْصِبٌ يَقْبَلُ التجزي وَالِانْقِسَامَ (٢)، فَالْعِبْرَةُ بِالْقُدْرَةِ وَالْعَجْزِ، وَقَد يَكُونُ الرَّجُلُ قَادِرًا فِي بَعْضٍ عَاجِزًا فِي بَعْضٍ.
(١) وأما ما عدا ذلك فلا يجوز له تقليد مذهبه أو شيخه، وقد نصّ على ذلك في مواضع أخرى منها قوله: "وَأَمَّا الْقَادِرُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ فَقِيلَ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّقْلِيدُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: يَجُوزُ عِنْدَ الْحَاجَةِ؛ كَمَا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ عَنِ الِاسْتِدْلَالِ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَعْدَلُ الأقْوَالِ". (٢٠/ ٢١٢)
وقال كذلك: مَتَى أَمْكَنَ فِي الْحَوَادِثِ الْمُشْكِلَةِ مُعَرَّفَةُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ كَانَ هُوَ الْوَاجِب، وَإِن لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ لِضِيقِ الْوَقْتِ أَو عَجْزِ الطَّالِبِ أَو تَكَافُؤِ الْأَدِلَّةِ عِنْدَهُ أَو غَيْرِ ذَلِكَ: فَلَهُ أنْ يُقَلِّدَ مَن يَرْتَضِي عِلْمَهُ وَدِينَهُ، هَذَا أقْوَى الْأقْوَالِ، وَقَد قِيلَ: لَيْسَ لَهُ التَّقْلِيدُ بِكُلِّ حَالٍ، وَقِيلَ: لَهُ التَّقْلِيدُ بِكُلِّ حَالٍ. (٢٨/ ٣٨٨)
وينبغي أنْ يتنبه لهذا طلاب العلم الذين أمضوا سنوات وهم يدرسون العلم عند المشايخ في المساجد والجامعات ونحوها، فكثيرٌ منهم يكتفي بترجيحات وتقريرات شيخه، فهو لا زال مُقلّدًا، وقد علمتَ أن شيخ الإسلام رحمه الله يرى حرمة التقليد على القادر على الاجتهاد إلا عند الضرورة.
والواجب على المشايخ أنْ يحثّوا طلابهم على البحث والترجيح والاعتماد بعد الله تعالى على اجتهادهم وبحثهم.
(٢) قال العلَّامة ابن القيِّم رحمه الله: الِاجْتِهَادُ حَالَة تَقْبَلُ التَّجَزُّؤَ وَالِانْقِسَامَ، فَيَكُونُ الرَّجُلُ مُجْتَهِدًا =