حَوْلَهَا وَكُلُوا سَمْنَكُمْ وَإِن كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَبَيَّنَّا ضَعْفَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَطَعَنَ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِي وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيَّ وَالدَّارَقُطْنِي وَغَيْرُهُم فِيهِ.
وَعُمْدَةُ مَن يُنَجِّسُهُ: يَظُنُّ أَنَّ النَّجَاسَةَ إذَا وَقَعَتْ فِي مَاءٍ أَو مَائِعٍ سَرَتْ فِيهِ كُلِّهِ فَنَجَّسَتْهُ، وَقَد عُرِفَ فَسَادُ هَذَا، وَأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِن الْمُسْلِمِينَ بِطَرْدِهِ، فَإِنَّ طَرْدَهُ يُوجِبُ نَجَاسَةَ الْبَحْرِ!.
وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ: وَهُوَ أَنَّ الْمَاءَ الْكَثِيرَ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ، فَهَل مُقْتَضَى الْقِيَاسِ تَنَجُّسُهُ لِاخْتِلَاطِ الْحَلَالِ بِالْحَرَامِ إلَى حَيْثُ يَقُومُ الدَّلِيلُ عَلَى تَطْهِيرِهِ، أَو مُقْتَضَى الْقِيَاسِ طَهَارَتُهُ إلَى أَنْ تَظْهَرَ فِيهِ النَّجَاسَةُ الْخَبِيثَةُ الَّتِي يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا؟
لِلْفُقَهَاءِ مِن أَصْحَابِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ فِي هَذَا الْأَصْلِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: قَوْلُ مَن يَقُولُ: الْأَصْل النَّجَاسَةُ.
وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي: فَهُوَ قَوْلُ مَن يَقُولُ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يُنَجَّسَ الْمَاءُ حَتَّى يتغيّر.
وهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ.
وَهَذِهِ الْأَدْهَانُ وَالْأَلْبَانُ وَالْأَشْرِبَةُ الْحُلْوَةُ وَالْحَامِضَةُ وَغَيْرُهَا مِن الطَّيِّبَاتِ وَالْخَبِيثَةِ: قَد اسْتُهْلِكَتْ وَاسْتَحَالَتْ فِيهَا، فَكَيْفَ يَحْرُمُ الطَّيِّبُ الَّذِي أَبَاحَهُ اللهُ تَعَالَى؟
وَمَن الَّذِي قَالَ: إنَّهُ إذَا خَالَطَهُ الْخَبِيثُ وَاسْتُهْلِكَ فِيهِ وَاسْتَحَالَ قَد حَرُمَ (١)؟ وَلَيْسَ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ لَا مِن كِتَابٍ وَلَا مِن سُنَّةٍ وَلَا إجْمَاعٍ وَلَا قِيَاسٍ؛
(١) قد يدخل في هذا الأطعمة والأشربة التي أضيف إليها شيءٌ يسير من شحوم الخنازير ونحوها، فإنّ هذه الخبائث قد استحالت في هذه الطيبات ولم يبق لطعمها ولا لرائحتها ولا للونها أثر. =