يُنَجِّسُوا الْمَاءَ الْكَثِيرَ رَفْعًا لِلْحَرَجِ فَكَيْفَ يُنَجِّسُونَ نَظِيرَهُ مِن الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ؟
وَالْحَرَجُ فِي هَذَا أَشَقُّ، وَلَعَلَّ أَكْثَرَ الْمَائِعَاتِ الْكَثِيرَةِ لَا تَكَادُ تَخْلُو مِن نَجَاسَةٍ. ٢١/ ٤٩٠ - ٥٠٦
٢٢٤١ - الْقَوْلُ بِأنَّ الْمَائِعَاتِ لَا تُنَجَّسُ كَمَا لَا يُنَجَّسُ الْمَاءُ هُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ؛ بَل هِيَ أَوْلَى بِعَدَمِ التَّنْجِيسِ مِن الْمَاءِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللهَ أَحَلَّ لَنَا الطَّيِّبَاتِ وَحَرَّمَ عَلَيْنَا الْخَبَائِثَ.
وَالْأَطْعِمَةُ وَالْأَشْرِبَةُ -مِن الْأَدْهَانِ وَالْأَلْبَانِ وَالزَّيْتِ وَالْخُلُولِ وَالْأَطْعِمَةِ الْمَائِعَةِ- هِيَ مِن الطَّيِّبَاتِ الَّتِي أَحَلَّهَا اللهُ لنَا، فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهَا صِفَةُ الْخَبَثِ لَا طَعْمُهُ وَلَا لَوْنُهُ وَلَا رِيحُهُ وَلَا شَيءٌ مِن أَجْزَائِهِ: كَانَت عَلَى حَالِهَا فِي الطَّيِّبِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ مِن الْخَبِيثِ الْمُحَرَّمَةِ، مَعَ أَنَّ صِفَاتِهَا صِفَاتُ الطَّيِّبِ لَا صِفَاتُ الْخَبَائِثِ، فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الطَّيِّبَاتِ وَالْخَبَائِثِ بِالصِّفَاتِ الْمُمَيِّزَةِ بَيْنَهُمَا.
وَلِأَجْلِ تِلْكَ الصِّفَاتِ حُرِّمَ هَذَا وَأُحِلَّ هَذَا، وَإِذَا كَانَ هَذَا الْحَبُّ وَقَعَ فِيهِ قَطْرَةُ دَمٍ، أَو قَطْرَةُ خَمْرٍ، وَقَد اسْتَحَالَتْ، وَاللَّبَنُ بَاقٍ عَلَى صِفَتِهِ، وَالزَّيْتُ بَاقٍ عَلَى صِفَتِهِ: لَمْ يَكُن لِتَحْرِيمِ ذَلِكَ وَجْهٌ؛ فَإِنَّ تِلْكَ قَد اُسْتُهْلِكَتْ وَاسْتَحَالَتْ، وَلَمْ يَبْقَ لَهَا حَقِيقَةٌ مِن الْأَحْكَامِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِن أَحْكَامِ الدَّمِ وَالْخَمْرِ (١).
وَإِنَّمَا كَانَت أَوْلَى بِالطَّهَارَةِ مِن الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الشَّارعَ رَخَّصَ فِي إرَاقَةِ الْمَاءِ وَإِتْلَافِهِ، حَيْثُ لَمْ يُرَخِّصْ فِي إتْلَافِ الْمَائِعَاتِ كَالِاسْتِنْجَاءِ، فَإِنَّهُ يُسْتَنْجَى بِالْمَاءِ دُونَ هَذِهِ، وَكَذَلِكَ إزَالَةُ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ بِالْمَاءِ.
وَأَيْضًا: فَقَد ثَبَتَ فِي "صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ" وَغَيْرِهِ عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ سُئِلَ عَن فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ فَقَالَ: "أَلقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوا سَمْنكُمْ" (٢).
(١) يُستثنى من ذلك إذا ولغ الكلب في الإناء الصغير، فإنه يجب إراقة الماء وغسل الإناء ولو لم يتغير طعمه أو لونه أو رائحته، وذلك للنص الصحيح، ولأن علّةَ تنجيسِه قد تكون خفيَّةً علينا.
(٢) البخاري (٢٣٥).