مِن تَحْرِيكِ الشَّهْوَةِ؛ فَالتَّوَضُّؤُ مِمَّا يُحَرِّكُ الشَّهْوَةَ؛ كَالتَّوَضُّؤِ مِنَ الْغَضَبِ وَمَا مَسَّتْهُ النَّارُ: هُوَ مِن هَذَا الْبَابِ، فَإِنَّ الْغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ وَالشَّيْطَانُ مِنَ النَّارِ.
وَأَمَّا لَحْمُ الْإِبِلِ فَقَد قِيلَ: التَّوَضُّؤُ مِنْهُ مُسْتَحَبٌّ، لَكِنَّ تَفْرِيقَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَحْمِ الْغَنَمِ - مَعَ أَنَّ ذَلِكَ مَسَّتْهُ النَّارُ وَالْوُضُوءُ مِنْهُ مُسْتَحَبٌّ - دَلِيلٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ، وَمَا فَوْقْ الِاسْتِحْبَابِ إلَّا الْإِيجَابُ، وَلِأَنَّ الشَّيْطَنَةَ فِي الْإِبِلِ لَازِمَةٌ وَفِيمَا مَسَّتْه النَّارُ عَارِضَةٌ، وَلهَذَا نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ فِي أَعْطَانِهَا لِلُزومِ الشَّيْطَانِ لَهَا، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِهَا فِي السَّفَرِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ عَارِضٌ.
وَالْحُشُوشُ مُحْتَضَرَةٌ (١)، فَهِيَ أَوْلَى بِالنَّهْيِ مِن أَعْطَانِ الْإِبِلِ.
وَكَذَلِكَ الْحَمَّامُ بَيْتُ الشَّيْطَانِ.
وَالْخَبَائِثُ الَّتِي أُبِيحَتْ لِلضَّرُورَةِ كَلُحُومِ السِّبَاعِ أَبْلَغُ فِي الشَّيْطَنَةِ مِن لُحُومِ الْإِبِلِ فَالْوُضُوءُ مِنْهَا أَوْلَى.
وَكَذَلِكَ مَسُّ النِّسَاءِ لِشَهْوَةِ إذَا قِيلَ بِاسْتِحْبَابِهِ فَهَذَا يَتَوَجَّهُ، وَأَمَّا وُجُوبُ ذَلِكَ فَلَا يَقُومُ الدَّلِيلُ إلَّا عَلَى خِلَافِهِ، وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ قَطُّ أَنْ يَنْقُلَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ يَأمُرُ أَصْحَابَهُ بِالْوُضُوءِ مِن مَسِّ النِّسَاءِ، وَلَا مِنَ النَّجَاسَاتِ الْخَارِجَةِ (٢)؛ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِذَلِكَ.
وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ مِن مَسِّ الذَّكَرِ، وَلَا النِّسَاءِ، وَلَا خُرُوجِ النَّجَاسَاتِ مِن غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ (٣)، وَلَا الْقَهْقَهَةِ، وَلَا غُسْلِ الْمَيِّتِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَعَ
(١) أي: يحضرها الشياطين.
عَنْ زَيْدِ بْن أَرْقَمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ، فَإِذَا دَخَلَ أحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ". رواه ابن ماجه (٢٩٦)، وأبو داود (٦)، وصحَّحه الألباني.
(٢) أي: لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ قَطُّ أَنْ يَنْقُلَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ أَصْحَابَهُ بِالْوُضُوءِ من النجاسات الخارجة من غير المخرج؛ كالدم والقيء وغيرهما.
(٣) قال الشيخ في موضع آخر: فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - بِإسْنَادٍ يَثْبُتُ مِثْلُهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِذَلِكَ، مَعَ =