وَأَمَّا الْقَوْلُ بِوُجُوبِهِ: فَمُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ عَن الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- وَلِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ.
وَالْقرْآنُ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُتَوَضِّئِ أَنْ يَتَوَضَّأَ مَرَّةً ثَانِيَةً مِن وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} النساء: ٤٣ فَقَد أَمَرَ مَن جَاءَ مِن الْغَائِطِ وَلَمْ يَجِدِ الْمَاءَ أَنْ يَتَيَمَّمَ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَجِيءَ مِن الْغَائِطِ يُوجِبُ التَّيَمُّمَ، فَلَو كَانَ الْوُضُوءُ وَاجِبًا عَلَى مَن جَاءَ مِن الْغَائِطِ وَمَن لَمْ يَجِئْ، فَإِنَّ التَّيَمِّمَ أَوْلَى بِالْوُجُوبِ.
وَمَا أَعْرِفُ فِي هَذَا خِلَافًا ثَابِتًا عَن الصَّحَابَةِ: أَنَّ مَن تَوَضَّأَ قَبْلَ الْوَقْتِ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَلَا يُسْتَحَبُّ أَيْضًا لِمِثْل هَذَا تَجْدِيدُ وُضُوءٍ.
وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ الْفُقَهَاءُ فِيمَن صَلَّى بِالْوُضُوءِ الْأَوَّلِ: هَل يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّجْدِيدُ؟
وَأَمَّا مَن لَمْ يُصَلِّ بهِ: فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ إعَادَةُ الْوُضُوءِ؛ بَل تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ فِي مِثْل هَذَا بِدْعَةٌ مُخَالِفًةٌ لِسُنَةِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَلمَا عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَهُ إلَى هَذَا الْوَقْتِ (١).
فَقَد تَبَيَّنَ أَنَّ الْآيَةَ لَيْسَ فِيهَا إضْمَارٌ وَلَا تَخْصِيصٌ، وَلَا تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ
(١) قال العلَّامة ابن عثيمين رحمه الله: تجديد الوُضُوء يكون مسنونًا إِذا صَلَّى بالوُضُوء الذي قبله، فإذا صلَّى بالوُضُوء الذي قبله فإِنه يُستحبُّ أن يتوضَّأ للصَّلاة الجديدة.
مثاله: توضَّأ لصلاة الظُّهر وصلَّى الظُّهر، ثم حَضَر وقتُ العصر وهو على طهارته، فحينئذٍ يُسَنُّ له أن يتوضَّأ تجديدًا للوُضُوء؛ لأنَّه صلَّى بالوُضُوء السَّابق، فكان تجديدُ الوُضُوء للعصر مشروعًا، فإن لم يُصلِّ به؛ بأنْ توضَّأ للعصر قبل دخول وقتها؛ ولم يُصَلِّ بهذا الوُضُوء، ثم لما أذَّن العصرُ جدَّد هذا الوُضُوء، فهذا ليس بمشروع؛ لأنَّه لم يُصلِّ بالوُضُوء الأوَّل، فلا يرتفع حدثُه لو كان أحدث بين الوُضُوء الأول والثَّاني. اهـ. الشرح الممتع (١/ ١٩٩).