مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} وَهَذَا نَوْعٌ خَاصٌّ مِن الْحَدَثِ. {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} النساء: ٤٣ وَهَذَا نَوْعٌ خَاصٌّ مِن الْجَنَابَةِ.
وَكَذَلِكَ "الْقَائِمُ إلَى الصَّلَاةِ" يَتَنَاوَلُ مَن جَاءَ مِن الْغَائِطِ وَمَن أَحْدَثَ بِدُونِ ذَلِكَ، لَكِنْ خُصَّ الْجَائِي بِالذِّكْرِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا} البقرة: ١٨٢ فَالْآثِمُ هُوَ الْمُتَعَمِّدُ، وَتَخْصِيصُهُ بِالذِّكْرِ -وَإِن كَانَ دَخَلَ- لِيُبَيِّنَ حُكْمَهُ بِخُصُوصِهِ، وَلئَلَّا يُظَنَّ خُرُوجُهُ عَن اللَّفْظِ الْعَامِّ، وَإِن كَانَ لَمْ يَدْخُلْ فَهُوَ نَوْعٌ آخَرُ.
وَالتَّقْدِيرُ: إنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَو عَلَى سَفَرٍ فَتَيَمَّمُوا، وَهَذَا مَعْنَى الْآيَةِ.
وَقَوْلُهُ: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} ذَكَرَ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ؛ فَالْمَجِيءُ مِن الْغَائِطِ هُوَ مَجِيءٌ مِن الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقْضِي فِيهِ الْحَاجَةَ.
وَكَانُوا يَنْتَابُونَ الْأَمَاكِنَ الْمُنْخَفِضَةَ وَهِيَ الْغَائِطُ، وَهُوَ كَقَوْلِك: جَاءَ مِن الْمِرْحَاضِ، وَجَاءَ مِن الْكَنِيفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، هَذَا كُفُة عِبَارَةٌ عَمَّن جَاءَ وَقَد قَضَى حَاجَتَهُ بِالْبَوْلِ أَو الْغَائِطِ، وَالرِّيحُ يَخْرُجُ مَعَهُمَا.
وَنَقْضُهَا متَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَن ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- شُغِلَ عَن الْعِشَاءِ لَيْلَةً، فَأَخَّرَهَا حَتَّى رَقَدْنَا فِي الْمَسْجِدِ ثمَّ اسْتَيْقَظْنَا، ثُمَّ رَقَدْنَا ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-.
وَلمُسْلِم عَن عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: اعْتم رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ وَحَتَّى نَامَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى، فَقَالَ: إنَّهُ لَوَقْتُهَا، لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي.
فَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ: أَنَّهُم نَامُوا، وَقَالَ فِي بَعْضِهَا: "إنَّهُم رَقَدُوا ثُمَّ اسْتَيْقَظُوا ثُمَّ رَقَدُوا ثُمَّ اسْتَيْقَظُوا"، وَكَانَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ خَلْفَهُ جَمَاعَة كَثِيرَة، وَقَد طَالَ انْتِظَارُهُم وَنَامُوا.