اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى ضَلَالَةٍ، الْمَفْرُوضِ اتِّباعُهُمْ؛ وَذَلِكَ أَنِّي لَسْت أَعْلَمُ خِلَافَ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ السَّالِفيْنِ فِي أَنَّ مَا لَمْ يَجِئْ دَليلٌ بِتَحْرِيمِهِ فَهُوَ مُطْلَقٌ غَيْرُ مَحْجُورٍ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا الْأَصْلُ فَنَقُولُ: الْأَصْلُ فِي الْأَعْيَانِ الطَّهَارَةُ.
الْقَوْلُ فِي طَهَارَةِ الْأَرْوَاثِ وَالْأبْوَالِ مِنَ الدَّوَابِّ وَالطَّيْرِ الَّتِي لَمْ تَحْرُمْ وَعَلَى ذَلِكَ عِدَّة أَدِلَّةٍ: أَنَّ الْأَصْلَ الْجَامِعَ طَهَارَةُ جَمِيعِ الْأَعْيَانِ حَتَّى تَتَبَيَّنَ نَجَاسَتُهَا.
فَكُلُّ مَا لَمْ يُبَينْ لَنَا أَنَّهُ نَجِسٌ فَهُوَ طَاهِرٌ، وَهَذ الْأَعْيَانُ لَمْ يُبَيَّنْ لَنَا نَجَاسَتُهَا فَهِيَ طَاهِرَةٌ.
الدَّلِيلُ على ذلك (١): الْحَدِيثُ الْمُسْتَفِيضُ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ الصَّحِيحِ وَغَيْرُهُم حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ نَاسًا من عُكْل أَو عُرَينة قَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَاجْتَوَوْهَا، فَأَمَرَ لَهُم النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِلَقَاحٍ وَأَمَرَهُم أنْ يَشْرَبُوا مِن أَبْوَالِهَا وَألْبَانِهَا.
وَجْهُ الْحُجَّةِ: أَنَّهُ أَذِنَ لَهُم فِي شُرْبِ الْأبْوَالِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُصِيبَ أَفْوَاهَهُم وَأَيْدِيَهُم وَثيَابَهُم وَآنِيَتَهُمْ، فَإِذَا كَانَت نَجِسَةً وَجَبَ تَطْهِيرُ أَفْوَاهِهِمْ وَأَيْدِيهِمْ وَثيَابِهِم لِلصَّلَاةِ، وَتَطْهِيرُ آنِيَتِهِمْ، فَيَجِبُ بَيَانُ ذَلِكَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَن وَقْتِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُم النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِم إمَاطَةُ مَا أَصَابَهُم مِنْهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ نَجِسٍ.
وَلَسْت أَعْرِفُ عَن أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ الْقَوْلَ بِنَجَاسَتِهَا؛ بَلِ الْقَوْلُ بِطَهَارَتِهَا، إلَّا مَا ذُكِرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ إنْ كَانَ أَرَادَ النَّجَاسَةَ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ ابْنُ الْمُنْذِرِ -وَعَلَيْهِ اعْتِمَادُ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي نَقْلِ الْإِجْمَاعِ وَالْخِلَافِ، وَقَد ذكرَ طَهَارَة الْأَبْوَالِ عَن عَامَّةِ السَّلَفِ- ثُمَّ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْأبْوَالُ كُلُّهَا نَجَسٌ.
(١) ما بين المعقوفتين من تصرفي.